- السؤال:
أخي في الله السلام عليكم. العالم من حولنا يشتعل، وأنظر إلى الشباب اليوم -الذين يفترض ان يكونوا بناة الغد- فأجدهم ما بين لاه ومغيب وبين يائس لايريد التفاعل مع الأحداث، ربما لانه كلما حاول التفاعل كبت أو منع أو حتى وجد أن السلبيين حوله أكثر.. قال رسول الله: (من بات ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم).. فكيف في رأيك السبيل لإحياء هذا الموات؟ من فضلك لا أريد اجابات نمطية أريد حلولا أو مقترحات دعوية عملية، ولكني أخشى يوما أن أقل مع القائلين أنه لا أمل فيما نفعل وأن كنت أؤمن بأن مع العسر يسرا وأن نصر الله قريب ولكن هل هو لنا؟؟ |
- الجواب:
الأخت الفاضلة،
أحمد الله تعالى إليك على سؤالك هذا، فإنه ينم عن حب لهذه الأمة، ورغبة في إصلاحها، وكم مثلك في الأمة أيتها الأخت الفاضلة.
وأخشى ما أخشاه ما ختمت به رسالتك أن يدب اليأس في نفوس، فهو الموات بعينه، وقد قال الله تعالى: {وَلَا تَا۟يْـَٔسُوا۟ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ ۖ إِنَّهُۥ لَا يَا۟يْـَٔسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلْقَوْمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ} وقد جعل الله تعالى اليأس قرين الكفر، وإذا يئست الأمة، فقد حكمت على نفساه بالموات.
فرغم ما تعانيه الأمة من ضعف وخور، ولكن الأمل باق، ولابد أن يبقى، لأنه مستمد من الله تعالى، وكيف تيأس أمة تعبد رب الأرض والسموات، وهو سبحانه الذي بيده مقاليد كل شيء، وأن أمره بين الكاف والنون، وأنه كتب على نفسه لينصرن عباده المؤمنين {كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِىٓ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌۭ}، {هُوَ ٱلَّذِىٓ أَرْسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ}.
وفي هذا السياق لابد أن ننظر إلى الأمر بنظرة كلية، فكم من الشباب ضائع، وفي ذات الوقت: كم من الشباب طائع؟؟
المساجد تملأ بالشباب الراكعين الساجدين، المنيبين إلى ربهم؟؟
الحجاب منتشر بين كثير من الأخوات.
الكل يوقن أن الحل في الإسلام.
أخلاق المسلمين مكرمة وتاج مقارنة بالانحلال الأخلاقي الموجود في أوربا وأمريكا، ولعل من عاش هنا وهناك ليوقن أن الأمة الإسلامية تمتلك مقومات الخير التي يمكن أن تقود بها الإنسانية، وإن كانت تعيش حالة من الضعف.
هناك يا أختي الفاضلة ما يعرف بسنة التدافع، فالحق والباطل يتصارعان دائما، ولكن الله وعدنا أن الحق منتصر، متى وجد الرجال الذين يحملونه للناس.
وحتى لا أطيل عليك، فإن الأمر ليس بالسهولة أن يذكر في استشارة سريعة، ولا أن يقوم به واحد مثلي، لم يؤت من العلم إلا ذرات قليلة.
ولكن كما يقول علماء الإدارة: إن الهدف الكبير ليتحقق يجب أن نفتته إلى أهداف صغيرة، فالخلافة الإسلامية وعالمية الأمة، وأستاذية العالم، يجب أن تفصل في أهداف أصغر، والهدف الثاني يفصل في أهداف أقل، وألا نتعجل، بل علينا أن نتمهل، وأن نعرف أن الزمن جزء من العلاج.
وأحسب أن هناك برامج إصلاح كبيرة، عرضها كثير من المصلحين، أمثال جمال الدين الأفعاني وتلامذته: الشيخ محمد عبده، ورشيد رضا، ثم الشيخ الشهيد حسن البنا – رحمه الله، والشيخ محمد الغزالي رحمه الله، والشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومالك بن نبي وسعيد النورسي وغيرهم من المصلحين يجب أن تكون تجاربهم قيد الدراسة، وأن تخصص هيئات إصلاحية لدراسة الأمر، والخروج ببرنامج عملي يمكن أن تتباه بعض الهيئات مع جهد الدعاة في كل قطر من أقطار الإسلامي.
وبعيدا عن هذه النظرة الكبيرة، أرى أن كل إنسان مسئول عن الإصلاح في مكانه، فالطالب يدعو في مدرسته ومعهده وجامعته، والشيخ في مسجده ومكانه، والطبيب في مستشفاه، والمهندس في مجال عمله، وأن يتكاتف المسلمون جميعا كل حسب طاقته وقدره في الدعوة.
وقبل أي شيء، حسن الصلة بالله تعالى، وأن تعرف الأمر حق ربها عليها، فإن تصالحت الأمة مع الله، بإتيان ما افترض الله تعالى، واجتناب ما نهى عنه، نصره الله تعالى، كما قال:” إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ” فننصر الله تعالى في أنفسنا، وفي أسرنا، وفي مجتمعاتنا، وفي أمتنا، فسينصرنا الله تعالى على أي أحد.
أختي الفاضلة،
ما أحب أن أخدعك بكلمات، فما قلته لا يمكن أن يجاب عليه في سطور، وإلا لما كنا مقدرين لما نتكلم،ولسنا ممن يفرح بإجابة على سؤال، فإن القلب ليحزن وإن العين لتدمع، وما علينا إلا أن نقدر الأمر قدره، فكلنا مفجوعون في أمتنا، غير أننا لا نيأس من روح الله، ونثق بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم.
ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا.
ولكن ابدئي نفسك، وانظري ما تقدرين على فعله، فساعتها تكون قد أجبت على سؤالك حسب قدرك وطاقتك، ومن هذا الجهد الفردي يأتي الإصلاح الجماعي، وشاوري مع أخوات لك في الله ما يمكن أن تفعليه في حيكم وكل المحيطات التي لك احتكاك بها.
وفقنا الله تعالى جميعا لخدمة دينه ودعوته.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
- د. مسعود صبري