- السؤال:
منذ عقود، سادت ثقافة دينية تمنع التساؤل أو إعمال العقل، و يرفضون النقاش بحجة “من أنت للصحابي فلان بقوله” أو “هل تتواقح على القرآن”.. تحديدا كيف يمكن أن نتخلص من هؤلاء المتخلفين الظلاميين؟ |
- الجواب:
بسم الله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وبعد:
الأخ الفاضل:
اعذرني إذ أبدأ إجابتي لك بعدم موافقتي بأن تصف هؤلاء المتحدث عنهم بأنهم متخلفون ظلاميون، فالمسلم دائما يحفظ لسانه حتى عن الهفوات الصغيرة، والكلام الذي يقدح في الغير.
أما عن سؤالك، فهو سؤال عام يدفع كل من يجيب عليه أن يوافقك الرأي، لكني لا أوافقك، ولا أخالفك، فقد ساد عندنا دائما وجهة النظر الواحدة، والتعميم في الأمور كلها، في كفتي الكلام.
فليس عندنا في الإسلام ما يمنع التساؤل ويرفض إعمال العقل، وتكليف الله تعالى للناس مبني على العقل، وأن من ليس عنده عقل غير مكلف، ورفع العقل يرفع التكليف، والآيات والأحاديث شاهدة على ذلك.
أما عن ضرب الأمثلة التي ضربتها فأحسب أنها تحتاج إلى نقاش طويل، فنحن نؤمن أن الصحابة من أفضل القرون، غير أنهم ليسوا معصومين من الخطأ، ولكن نريد أن نعرف من الذي يتكلم، وفي أي شيء يتكلم؟ وبأي منهج ينطلق.
إن كنا ندعو إلى الانفتاح ومناقشة الأمور، لكن يجب علينا أن نفرق بين خطابين:
1- خطاب السؤال الذي يريد أن يعرف.
2- وخطاب المتخصص الدارس الذي يعي،
فلا يصح مثلا في الطب أن يقوم زبال ليرد على العالم الطبيب في مسألة طبية، وإلا كانت مصيبة، ونحن أيضا نحفظ في دين الله تعالى ألا يتحدث في مسائل العلم التي تحتاج إلى اجتهاد إلا من امتلك الأدوات، ليس شرطا أن يكون خريج جامعة أو كلية شرعية، فهذه وسيلة، لكن الأهم هو كونه يمتلك الأدوات، حتى يكون كلامه منضبطا. فقد خرج لنا بعض من درس اللغة العربية، وليس الطب ولا الهندسة، ويطعن في النص القرآني، لأنه – حسب فهمي – ليس متخصصا فيما تكلم فيه، وأنه لم يتكلم أدوات العلم والبحث العلمي، وليس كل دارس للغة العربية يستطيع أن يبحث في كل مسائل العلوم الشرعية.
و القرآن الكريم هو كتاب الله تعالى للناس عامة، من حيث كونه كتاب هداية، أما استنباط الأحكام الشرعية، والوقوف على تفسير ما غمض من آياته، فإن هناك شروطا للتفسير، ومناهج للبحث التفسيري في القرآن الكريم، في هذا إطار نقبل التجديد، ونقبل الاجتهاد، أما أن يفسر كل إنسان على هواه ما يحب من كتاب الله، فهو ضرب من السلوك المرفوض، فإننا لا نجيز لسباك أن يعطي حقنة لإنسان، بل لا نصلح سياراتنا إلا من كان صاحب صنعة، فكيف ننزل الدين في منزلة أقل من صناعات الدنيا ومعاشات الناس في الحياة؟
إننا دائما ندعو إلى الاجتهاد، وأن القول بأن العقل لا يعلم في كثير من أمور الدين هو قتل للدين، لأن الإسلام هو دين الشرع والعقل معا، وأن إعمال العقل يجعلنا نفهم مراد الله تعالى على نحو صحيح بعيدا عن الشطط، ولكن من أهله، ومن يجتهد من غير أهله، فلا بأس بهذا شريطة أن يعرض على المتخصصين، وقد قال تعالى: {فَسْـَٔلُوٓا۟ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، ولا بأس إن كان الإنسان بعيدا عن التخصص ثم درس وأصبح من أهل الفن أن يجتهد، لكن طالما هو بعيد عن البحر، فكيف يزعم لنفسه أنه سباح ماهر؟
نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقا، وأن يرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلا، وأن يرزقنا اجتنابه.
- د. مسعود صبري