استشاراتالشبهات

السؤال عن الخالق

  • السؤال:
السلام عليكم.. عندما كنت أريد دعوة أشخاص إلى الإسلام فيسألونني أسئلة غريبة منها إذا كان الله هو من خلق كل هذا فمن خلق الله! قلت له إن الله هو الخالق الواحد الأحد فلم يصدق، قال لكل شيء يجب أن يكون له فاعل مثلما قلت أنت أن السماء والأرض و.. خلقها الله، فماذا أفعل في الرد عليه؟ شكرًا.

 

  • الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد..

إن أعمال العقل والقلب مع استحضار أدلة الشرع من أهم ما يجب أن يتسلح به الداعية إلى الله تعالى، كما يجب عليه أن يتضرع إلى الله تعالى دائمًا أن يرزقه الصواب، وأن يكون على حال من التقوى بحيث يكون أهلاً لفتح الله تعالى عليه.

ومن يتصدى للدعوة سيقابله هذا كثيرًا، فلا تقلق، ولا تنزعج، بل هذه طبيعة الدعوة الصادقة، أنها تقابل بمحاولة من لا يؤمن بها أن يجعلها غامضة، وإن كانت في الوضوح مثل الشمس، وإذا جاءك رجل وقال لك: أنا لا أرى الشمس مع كونها مرئية لكل أحد، فليس أمامك إلا أن يكون هذا الرجل جاهلاً جهلاً فاحشًا، أو أنه معاند متكبر، والمعاند الأولى الإعراض عنه بالكلام، ولتكن الدعوة بالقدوة، وقد قال الله تعالى: {فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكْرَىٰ}، وقال: {فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌۭ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ}.

وسؤال صاحبك هذا خطأ؛ لأنه لو سلمنا جدلاً وسرنا معه في خطئه، على أن من خلق السماوات لا بد أن يكون مخلوقًا، فمن خلقه، فإذا عرفنا من خلقه، فمن خلق الذي خلق، إن الأمر في النهاية لا بد أن يرجع المفعول إلى فاعل، وهذا الفاعل في حقيقته ليس مفعولاً، وبالتالي فإن السؤال عمن خلق الله تعالى سؤال خاطئ؛ لأن الله تعالى هو الخالق، والخالق لا يكون مخلوقًا.

بل من عجيب الأمر أن الله تعالى لم يجعل عملية الخلق لأحد إلا له سبحانه وتعالى؛ لأنه ليس كمثله شيء، ويجب أن يدرك هذا السائل أن الله تعالى ليس مثلنا، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِۦ شَىْءٌۭ ۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ}، وقوله تعالى: {لَّا تُدْرِكُهُ ٱلْأَبْصَـٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلْأَبْصَـٰرَ ۖ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ}.

ولأن الله تعالى ليس محسوسًا كما نحس المخلوقات، فلا يمكن لهذا العقل الذي هو من صنيعة الخالق أن يدرك كنه من خلقه، بل ينقلب الصانع مصنوعًا، هذا وهم في عملية الخلق؛ لأن الخلق يعني الإبداع على مثال غير سابق، وهو غير الابتكار والاختراع، فالله تعالى بدأ الأشياء من عدم، وهو مغاير للحوادث، وهذا كان رد سلفنا في كيفية استواء الله على العرش “الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة”.

وإن من أسماء الله تعالى الكبير، فهو أكبر من كل شيء؛ لأن كل الأشياء منه وإليه، فكيف لهذه الأشياء أن تتصور من خلقها إلا بما يأذن به، وهي القاصرة، بل إن رؤية الله تعالى لن تتأتى إلا بما يسمح به هو سبحانه وتعالى.

ومن هنا، فيجب أن يعرف الإنسان قدره، وألا يتعدى حدوده، وأن يدرك بعقله أن الذي خلق ما لا يعلم من العدد من الإنس والجن والطير والحيوان والجمادات والسماوات والأرض ما هو إلا شيء قليل، فهذا الكون كله بكل ما فيه ما هو إلا جزء يسير من خلقه، {وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًۭا}، ثم كيف للإنسان أن يتصور من خلقه، وهو لم يدرك كل ما خلق، بل لم يدرك، ولا يستطيع أن يحيط بكل ما ظهر أمامه من الخلق، بخلاف ما بطن.

إن هذا الإنسان يجب أن يعلم حقيقته، فهو إنسان يعيش في قرية أو مدينة، وهذه المدينة تابعة لدولة من الدول، تلك الدولة تابعة لقارة، تلك القارة مع القارات الأخرى تمثل الحياة على كوكب الأرض، ذلك الكوكب ما هو إلا كوكب ضمن المجموعة الشمسية لشمسنا والتي يتبعها أيضًا كواكب أخرى، تلك الشمس ما هي إلا شمس واحدة من بلايين الشموس التابعة لمجرة التبانة، وما وصل إليه العلم أن الكون يتكون من مجرات لا عدد لها، هذا ما توصل إليه، وما جهله أكثر مما علمه، فكيف لهذا الإنسان الذي يعيش على تلك البقعة القليلة أن يدرك ما لا يدرك.

بل ويريد أن يغير الحقائق ويجاري العقل الذي يقول: إن عملية الخلق ليست عملية متوالية، فليس في العقل أن فلانًا خلق فلانًا، وفلانًا خلق فلانًا، هذا نوع من السفه، ولكن العقل يقول: إن الموجود له واجد، وهذا الواجد له قدرة مطلقة، عرفنا ذلك بالشرع وبالعقل الذي يقول إن من أوجد كل هذا هو أكبر من كل كبير، وأعظم من كل عظيم، والإنسان بطبعه ليس فيه من الكبر، بل الإنسان بطبعه ضعيف، وإذا كانت المخلوقات كلها من خلق الله تعالى، فإن استطاع هذا أن يأتي لنا بمن خلق الخالق، فليأت إن شاء الله، ولكنه سيرجع كما قال القرآن: {ثُمَّ ٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ ٱلْبَصَرُ خَاسِئًۭا وَهُوَ حَسِيرٌۭ}.

ولقد جرينا معه بالتسليم ببعض الأومهم، اتباعًا لسنة إبراهيم عليه السلام الذي جارى قومه فقال عن الكوكب والقمر والشمس هذا ربي، لا لاعتقاده، ولكن ليثبت لهم خطأه فيما يعتقد.
وأنصحك بأن تنظر في أي مجال تدعو، وأن تراسلنا أو غيرنا، حتى ترشد لما يجب عليك عمله، حسب طبيعة الدعوة التي تقوم بها.

وفقك الله تعالى ويسر أمرك، وتقبل منك، واستخدمك لدعوته.
وأهلاً بك ومرحبًا.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى