استشاراتتقوية الإيمان

رغم الإعاقة الحياة بسعادة ممكنة

  • السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم،
أسأل الله أن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتكم. أرجو أن تلقى هذه المشكلة اهتمامكم، فأنا بحاجة ماسة لرأي الدين وفتواكم.

أنا شاب في العشرينيات من ذوي الاحتياجات الخاصة، أعاني من مرض لم يأذن الله أن يجعل له علاجًا في الفترة الحالية، وهو “ضمور العضلات”؛ فهو ضعف مستمر في جميع العضلات الإرادية وغير الإرادية، وجميع ما يترتب عليه من مضاعفات، وأحتاج إلى المساعدة في معظم أنشطة الحياة، ولكني أمارس حياتي بشكل طبيعي جدًّا جدًّا؛ لأني راضٍ تمامًا بقضاء الله عز وجل؛ فأنا أخرج وأذهب إلى كل مكان أريد حتى إنني وصلت الآن للسنة النهائية في كلية الهندسة، وهي من أصعب الكليات حتى للأصحاء، والحمد لله بدون رسوب، وبتقدير كل سنة.

لكني أمام مشكلة هي أنني أحب فتاة (هي لا تعرف ذلك حتى الآن)، ولكني لا أقدر على اتخاذ قرار؛ فأنا لا أريد أن أظلمها معي في حياة ستكون صعبة، ومن الممكن ألا أقدر على إعطائها ما تتمناه من حياة؛ نظرًا لحالتي الصحية (حالتي الجنسية جيدة)، ولا أقصد بها حالتي الصحية، لكني أخاف أن يكون هناك مشكلة في النسل أن يكونوا مرضى بنفس مرضي، ولكني غير متأكد من هذا طبيًّا فأبي وأمي وإخوتي معافون والحمد لله.

وتوجد فتاة أيضًا تحبني كثيرًا ومستعدة لأن تعيش معي، ولكني لا أريد أن أظلمها أيضًا، وهن متدينات جدًّا والحمد لله، ومع كثرة أصدقائي وأهلي ومن حولي الذين يحبونني كثيرًا وأحبهم كثيرًا، وهم يشكلون جزءاً كبيرًا في حياتي التي أعيشها سعيدًا لوجودهم حولي والرضا بقضاء الله عز وجل أولاً طبعًا، ولكني أحس هذه الأيام أني أعيش وحيدًا أفتقر لهذا النوع من الحب والدفء.. ليس الجنس فأنا أبحث عن الحب ذاته ودفء العلاقة والشعور باقتراب شخص واحد إلى داخل قلبي، فماذا أفعل.. هل أوافق من تحبني ونرتبط فهل أنا أظلمها؟ وهل هذا مكروه أو حرام؟ ونفس الشيء للفتاة الأخرى؟ أم أترك الموضوع (الحب والزواج) برمته ولا أفكر فيه مرة أخرى؟ وهل حب كل هؤلاء الناس من حب الله عز وجل أم ليس له علاقة؟

وأنا قد بدأت ألتزم من فترة ليست بقصيرة وأحس أني قريب من الله عز وجل في كل وقت حتى إني أحس أني لو دعوته أن يشفيني سيتقبل، لكني لا أدعوه خوفًا أن يكون هذا المرض نعمة يكفر الله بها ذنوبي فتكون سببًا لدخولي الجنة فأدعو دائمًا (اللهم ارزقني من لدنك رحمة، وإن كان في شفائي خيرًا فأنت علام الغيوب والقادر على كل شيء، وأستغفرك وأتوب إليك، اللهم ارزقني في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) فما حكم هذا أيضًا؟ فهل عدم دعائي للشفاء مكروه أم ماذا؟

وهل يجوز أن أصلي بدون وضوء أو قبله، فأمي هي من تساعدني في كل شيء، وأنا أريد أن أسهل الأمر عليّ حتى تصبح الصلاة يسيرة أم أن الوضوء واجب ما دامت أمي موجودة؟

جزاكم الله خيرًا وأعتذر عن الإطالة، ورزقكم الله ما يدخلكم به جنته.. وأرجو أن ترسلوا البريد الإلكتروني لمن سيفتيني أو يرد على سؤالي لأتابع معه ما يستجد.

شيء أخير:
كنت أمارس العادة السرية وعندما علمت أنها حرام توقفت، ولكني أصبحت أحتلم كثيرًا وهذا يضايقني فماذا أفعل؟

 

  • الجواب:

أخي الفاضل.. مرحبا بك،
إن كانت صفحة مشاكل وحلول الشباب توجهت إلينا لنجيب على سؤال الوضوء، فليسمحوا لي أن أوسع الإجابة، لأن أطرافا من السؤال تختص بأمر الفتوى الشرعية، أو هي لصيقة بالأمور الشرعية، مع شقيقتنا صفحة مشاكل وحلول.

وأقول لك:

إن الحب أمر فطري، غرسه الله تعالى في نفوس عباده جميعا، دون تمييز بينهم، وله أنواع كثيرة، منها الحب بين الجنسين، وقد أمر الشرع بضبط هذه العلاقة بين الجنسين حتى يؤتي الحب ثمرته في جو من الأسرة المسلمة، التي يمارس فيها كل من الجنسين حياة طبيعية، بدلا من العذاب النفسي للمحبين، ومن عجيب ما نجد قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الحاكم: “لم نر للمتحابين مثل التزويج”، وفي رواية: “مثل الزواج”.

والإنسان المعاق لا يحرم حقه من ممارسة الحياة، على أنه يجب أن نفرق دائما بين الحب الذي يدفع لتكوين أسرة، ورغبة في الاجتماع الدائم، وبين الميل للجنس الآخر.

فقد ذكرت أنك تحب فتاة، وأن هناك فتاة أخرى تحبك، وهي مستعدة للارتباط بك، وأن تكون شريكة حياتك، وأنت في حيرة، فلابد أولا أن تحدد موقفك جيدا من الفتاتين، حتى تستطيع التحرك السليم للارتباط بإحداهما.

أما فكرة التخلي عن الزواج، فهذا أمر نراه مرفوضا في حالتك، وخاصة أنك تحتاج إلى هذا الدفء والحنان، أو هي كما عبر عنها القرآن الكريم بالمودة والرحمة، وسبيلها الزواج، وهذا كما قال تعالى:

{وَمِنْ ءَايَـٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًۭا لِّتَسْكُنُوٓا۟ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةًۭ وَرَحْمَةً}،

فكيف تفكر في التخلي عن الطريق الذي ستجد فيه راحتك التي تنشدها؟!

ولو كنت تعاني من إعاقة جسدية، فلست أول شخص يصاب بهذا، وكم من المعافين أمام الناس هم معاقون بأشكال أخرى.

فليس شرطا للسعادة الزوجية أن يكون الإنسان معافى في كل شيء، بل يمكن أن نقرر أنه ليس هناك إنسان معافى في كل حياته، لأن الابتلاء سنة من سنن الله تعالى في الكون، بل كل ما في الحياة ابتلاء، كما قال تعالى: {وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةًۭ ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}.

ومن علامات الإنسان السوي، الذي يسير على منهج الله تعالى أن ينظر مواطن الإحسان فيه، وأن ينميها، ويجعلها غالبة في حياته، متغلبا على ما يقابله من بعض الصعوبات التي قد لا تكون عقبة في تحقيق ما يصبو إليه، ونحن نراك – من خلال حديثك – من هذا النوع، فأنت في كلية الهندسة، وتخرج وتمارس حياتك بشكل جيد، فاحمد الله تعالى، فربما غيرك ممن ابتلي مثلك لا يعيش معيشتك، فأنت في نعمة من الله وفضل.

ما أنك أصبحت ملتزما، وتشعر أنك مستجاب الدعوة، ولكن لا تدعو الله تعالى أن يشفيك، مع إحسان ظنك بالله تعالى أنك لو دعوت، لاستجاب الله تعالى لك، فليس في دعوة الله تعالى أن يرفع البلاء محظور شرعي، فلك أن تدعو الله تعالى أن يعافيك، وإن كان جميلا أن تفوض أمرك لله تعالى بهذه الصورة التي أرسلتها، وتعبر عنها كلماتك الجميلة في الدعاء.

ولقد وجد من السلف من تحمل البلاء، ابتغاء الأجر عند الله تعالى، وعلى كل، لا بأس بالدعاء أن يرفع الله تعالى عنك بالبلاء، فإن بقي كما هو، فنحن صابرون فيما ابتلينا به، راضون عن ربنا سبحانه في كل ما قدر، فهو سبحانه لا يقدر لعباده إلا الخير، ولو بدا للبعض خلاف هذا.

 

  • أما عن الصلاة بلا وضوء ولا قبلة،

فإن الوضوء والقبلة من شروط الصلاة، لا تصح الصلاة بدونهما، ولكن هذا عند القدرة، فالمطلوب هو الوضوء، والقدرة عليه، سواء أكانت بنفس الإنسان أم بمساعدة أحد، وقيام الأم بالمساعدة هو جزء من دور الأمومة التي تثاب عليه، وقد يكون شكل الابتلاء في بعض الأشخاص ليس قاصرا عليه، فقد يشاركه فيه أبواه أو زوجته، أو أولاده، أو بعض المقربين منه.

ومادامت الأم موجودة، وتستطيع أن تساعدك في الوضوء، فيجب عليك الوضوء، فإن تعذر، ولم يكن هناك وسيلة للوضوء، جئنا بالبديل له، هو التيمم، فإن عجز الإنسان عن الاثنين، وهو ما يعرف بفاقد الطهورين صلى بلا وضوء.

كما أنه يجب الصلاة للقبلة، فإن تعذر معرفتها، اجتهد قدر الإمكان بالسؤال، أو بمساعدة الآخرين،فإن فقدهم في بعض الأحوال، صلى قدر طاقته، و: {لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}.

على أن المرض ليس الأمور التي تسقط الصلاة في حياة المسلم، لأن الإسلام حريص على هذه الصلة الدائمة بين العبد وربه سبحانه وتعالى، وقد أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم أن من عجز عن الصلاة قائما، صلى قاعدا، فإن لم يستطع، صلى على جنب، فإن لم يستطع، صلى إيماءة، أي بالإشارة.

ولا يظن أن هذا نوع من التعسير في الدين، ولكنه رابطة الحب التي يريد الله تعالى أن يوصل عباده بها، فالصلاة راحة، كما أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم عنها: “أرحنا بها يا بلال”، فمن أراد الراحة، فعليه بالصلاة قدر استطاعته.

 

  • أما عن الاحتلام،

فإنه أمر فطري في الإنسان، ولا يحاسب عليه الإنسان، وربما كان تفريغا لبعض شحنات الإنسان، فكما أن الإنسان يخرج العرق رغما عنه، أو يقضي حاجته بالإخراج، فالاحتلام نوع من الإخراج الطبيعي في حياة الإنسان، بشرط ألا يكون متسببا فيه حال يقظته، من رؤية الصور المثيرة للشهوة، أو سماع ما يثير في نفسه شيئا، لكن الشرع يرى أن الاحتلام أمر طبيعي في حياة الإنسان، مادام جاء عن طريق طبيعي.

وتحياتي ودعواتي الخالصة لك.

 

  • د. مسعود صبري

 

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى