- السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. لقد تمت علاقة جنسية بيني وبين خطيبتي هذه الأيام فماذا أفعل؟ وقد سمعت أنه لا يجوز الزواج منها وأن جاز لابد أن يكون بعد فترة ولقد تم الاتفاق مع نسيبي علي ميعاد الفرح الشهر القادم. أفتني وفقكم الله. |
- الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخ الفاضل:
إن مما يؤسف له أن يأتمن الرجل أخاه على شيء غال عنده، ويعد أنه سيكون له، ثم هو يفرط في هذه الأمانة، لنزوة عابرة، ويا للعجب من شاب يبدأ حياته الزوجية مع من ستكون زوجته بإحدى الكبائر التي حرمها الله تعالى.
متناسيا أو ناسيا أنه خاطب وليس متزوجا.
وإن كان المقام ليس مقام عتاب، فالخطب جليل، والبلاء شديد، والذي ننصحك به أن تعجل بالزواج قدر المستطاع، وليس بصحيح أنه لا يجوز أن يتزوج الرجل بمن زنى بها، فهما زانيان، إن كانا في حالة الخطبة، فأسرع يا أخي بالدخول والبناء بمن ستكون زوجتك، كما أننا ننصحك بأن تعقد عليها فورا قبل البناء، وأن تسرع بالبناء.
يقول الشيخ القرضاوي:
الخطبة لغة وعرفا وشرعا شيء غير الزواج، فهي مقدمة له، وتمهيد لحصوله.
فكتب اللغة جميعا تفرق بين كلمتي الخطبة والزواج. والعرف يميز جيدا بين رجل خاطب، ورجل متزوج.
والشريعة فرقت بين الأمرين تفريقا واضحا، فالخطبة ليست أكثر من إعلان الرغبة في الزواج من امرأة معينة، أما الزواج فعقد وثيق، وميثاق غليظ، له حدوده وشروطه وحقوقه وآثاره.
وقد عبر القرآن عن الأمرين فقال في شأن النساء المتوفى عنهن أزواجهن:
{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِۦ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِىٓ أَنفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّآ أَن تَقُولُوا۟ قَوْلًۭا مَّعْرُوفًۭا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا۟ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَـٰبُ أَجَلَهُ}.
والخطبة مهما يقم حولها من مظاهر الإعلان فلا تزيد عن كونها تأكيدا وتثبيتا لشأنها.. والخطبة على أية حال لا يترتب عليها أي حق للخاطب، إلا حجز المخطوبة بحيث يحظر على غير الخاطب أن يتقدم لخطبتها، وفي الحديث: “لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه”.
والمهم في هذا المقام أن المخطوبة أجنبية عن الخاطب حتى يتم زواجه بها، ولا تنتقل المرأة إلى دائرة الزوجية إلا بعقد شرعي صحيح، والركن الأساسي في العقد هو الإيجاب والقبول. وللإيجاب والقبول ألفاظ معهودة معلومة في العرف والشرع.
وما دام هذا العقد -بإيجابه وقبوله- لم يتحقق فالزواج لم يحدث أيضا لا عرفا ولا شرعا ولا قانونا، وتظل المخطوبة أجنبية عن خاطبها لا يحل له الخلوة بها، ولا السفر معها دون وجود أحد محارمها كأبيها أو أخيها.
ومن المقرر المعروف شرعا أن العاقد إذا ترك المعقود عليها دون أن يدخل بها يجب عليه نصف مهرها، قال تعالى: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح).
أما الخاطب إذا ترك المخطوبة بعد فترة طالت أو قصرت فلا يجب عليه شيء إلا ما توجبه الأخلاق والتقاليد من لوم وتأنيب، فكيف يمكن -والحالة هذه- أن يباح للخاطب ما يباح للعاقد سواء بسواء؟ انتهى
- ولا ندري من يقول:
إن من زنى بمخطوبته يحرم عليه أن يتزوجها، فمن تتزوج إذن؟ وماذا تقول لمن يتقدم لها؟ وماذا تصنع في عذريتها وبكارتها.
إن من الواجب على من زنى بمخطوبته أن يسارع في الزواج، وليتق الله تعالى.
وليتب الخاطب ومخطوبته التي سلمت له نفسها، وخانت إيمانها وحياءها، ولم ترع سمعة أهلها، فإن الله سائل كلا عما صنع، فلنبادر بالتوبة إلى الله تعالى.
ويقول الدكتور القرضاوي:
الزاني والزانية إذا تابا إلى الله تعالى، وأرادا أن يخرجا من الحرام إلى الحلال، ومن حياة التلوث إلى حياة الطهارة، كما هو الظاهر من سلوك السائل، أنه يريد تغيير حياتهما من زنى محرم ليعيشا في الحلال، فزواجهما صحيح بالإجماع.
وجمهور الفقهاء لا يشترطون التوبة لصحة النكاح من الزانية، كما روي أن عمر رضي الله عنه ضرب رجلاً وامرأة في الزنى، وحرص على أن يجمع بينهما.
والحنابلة هم الذين اشترطوا التوبة، لقوله تعالى: {ٱلزَّانِى لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةًۭ وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌۭ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ}.
والذي أختاره هنا هو: ما ذهب إليه الحنفية والشافعية والثوري: أن الزانية لا عدة لها. ولو كانت حاملاً من الزاني، وهو المروى عن ثلاثة من الصحابة الخلفاء: أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم. وقد استدلوا بالحديث المتفق عليه: “الولد للفراش، وللعاهر الحجر.” ولأن العدة شرعت لاستبراء الرحم حفظًا للنسب، والزنى لا يتعلق به ثبوت النسب، فلا يوجب العدة.
والله أعلم
د. مسعود صبري