أصول الفقهالفتاوىعقيدة

حكم منكر الإجماع

يسأل السائل ما حكم حكم منكر الإجماع؟

  • السؤال:
من المعروف أن التشريع في الإسلام يستنبط من أربعة مصادر وهي الكتاب وسنة الرسول وإجماع الأمة والاجتهاد، فما رأيكم فيمن ينكر إجماع العلماء على حكم معين باعتبارهم بشرا قد يصيبون أو يخطئون؟

 

  • الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فقد فرق العلماء بين الإجماع في الأمور القطعية، والمعلومة من الدين بالضرورة، وبين غيرها، فمنكر الأولى كافر، ومنكر الثانية غير كافر على الراجح.

والإجماع من الأدلة التشريعية المعتبرة، ولا يجوز إنكار الإجماع جملة، غير أنه لابد من معرفة المسائل التي حدث فيها إجماع، لأن هناك مسائل كثيرة ادعي فيها الإجماع، ولم يكن فيها.

وللحكم على منكر الإجماع لابد من التفريق بين ما أجمعت الأمة عليه، وكان أصله الكتاب والسنة، وأصبحت أحكامه قطعية، فهذا يكفر منكره، لأن في إنكاره إنكارا للمعلوم من الدين بالضرورة، أما ما كان اجتهادا خالصا، فلا يمكن الحكم عليه بالكفر، لأن الإجماع في غير القطعيات، – أو ما يمكن أن يطلق عليه الإجماع الاجتهادي – جهد بشري مقدر وله شأنه، ولكن لا يمكن الحكم على منكره بالكفر، ولئن كان إنكار أحاديث الآحاد وغيرها مما لم يصل إلى حد التواتر لا يعتبر إنكاره كفرا، فإن القول بكفر منكر الإجماع في الأحكام القطعية يعد نوعا من التشدد الذي ليس عليه دليل.

ومما يؤكد عدم القول بعدم كفر منكر الإجماع غير القطعي أن العلماء مختلفون في نقض الإجماع بإجماع غيره، وأن الإجماع يراعى فيه ظروف العصر، فإن تغيرت، جاز للمجتهدين من الأمة النظر في إجماع آخر، على رأي من يرى جواز نقض الإجماع بإجماع آخر.
ولا يعني هذا التقليل من شأن الإجماع، فإنكاره لا يجوز، غير أن القول بكفر منكر الإجماع الاجتهادي يحتاج إلى إعادة نظر.

قال الإمام ابن دقيق العيد من علماء الشافعية:
لا يكفر أحد من أهل القبلة، إلا بإنكار متواتر من الشريعة عن صاحبها، فإنه حينئذ يكون مكذبا للشرع، وليس مخالفة القواطع مأخذا للتكفير وإنما مأخذه مخالفة القواعد السمعية القطعية طريقا ودلالة. وعبر بعض أصحاب الأصول عن هذا بما معناه: إن من أنكر طريق إثبات الشرع لم يكفر، كمن أنكر الإجماع، ومن أنكر الشرع بعد الاعتراف بطريقه كفر; لأنه مكذب. أ.هـ
وقد فصل الإمام بدر الدين الزركشي الشافعي مسألة تكفير منكر الإجماع، فقال:

  • من أنكر الإجماع، هل يكفر؟ وهو قسمان.

أحدهما: إنكار كون الإجماع حجة فينظر إن أنكر حجية الإجماع السكوتي، أو الإجماع الذي لم ينقرض أهل عصره، ونحو ذلك من الإجماعات التي اعتبر العلماء المعتبرون في انتهاضها حجة، فلا خلاف أنه لا يكفر، ولا يبدع، وإن أنكر أصل الإجماع، وأنه لا يحتج به، فالقول في تكفيره، كالقول في تكفير أهل البدع والأهواء.

والثاني: أن ينكر حكم الإجماع، فيقول مثلا: ليست الصلاة واجبة، وليس لبنت الابن مع الأم السدس فله أحوال. أحدها: بأن يكون قد بلغه الإجماع في ذلك وأنكره، ولج فيه، فإن كانت معرفته ظاهرة كالصلاة كفر، أو خفية كمسألة البنت ففيه تردد. ثانيها: أن ينكر وقوع الإجماع بعد أن يبلغه، فيقول: لم يقع، ولو وقع لقلت به، فإن كان المخبر عن وقوعه الخاصة دون العامة، كمسألة البنت، فلا يكفر على الأظهر، وإن كان المخبر الخاصة والعامة كالصلاة كفر. وثالثها: أن لا يبلغه فيعذر في الخفي دون الجلي، إن لم يكن قريب العهد بالإسلام. انتهى
وصرح في مكان أخر أنه لا يكفر منكر حكم الإجماع الخفي كتوريث بنت الابن مع البنت، السدس. أهـ

 

  • و جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:

يكفر منكر حكم الإجماع القطعي،‏ وفصل بعض الأصوليين بين ما كان من ضروريات دين الإسلام،‏ وهو ما يعرفه الخواص والعوام، من غير قبول للتشكيك،‏ كوجوب الصلاة والصوم،‏ وحرمة الزنا والخمر، فيكفر منكره، وبين ما سوى ذلك، فلا يكفر منكره، كالإجماع على بعض دقائق علم المواريث التي قد تخفى على العوام‏.‏ ‏

‏وفرق فخر الإسلام بين الإجماع القطعي من إجماع الصحابة نصا،‏ كإجماعهم على قتال مانعي الزكاة، أو مع سكوت بعضهم، فيكفر منكره،‏ وبين إجماع غيرهم فيضلل‏.‏ ‏

والله أعلم. 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

Related Articles

Back to top button