- السؤال:
هل تفسير الأحلام حرام تدخل في باب معرفة الغيب؟ أحيانا أحلم أحلام معناها موت عزيز على، وبعدها أستغفر الله لأنه هو عالم الغيب. |
- الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
تفسير الأحلام ليس بالحرام، وهو ليس من باب معرفة الغيب، وموت إنسان أو حياته أمر لا يعلمه إلا الله تعالى.
وقد مارسه النبي صلى الله عليه وسلم تأويل الرؤى، وكان يجلس مع الصحابة في مسجده بعد صلاة الفجر، وكان يطلب منهم أن من رأى رؤيا أن يحيكها له، ثم يفسرها لهم صلى الله عليه وسلم، وقد فسر لعمر وأبي بكر وابن عمر وغيرهم رضي الله عنهم، رؤى رأوها في مناماتهم.
وقبل الرسول صلى الله عليه وسلم كان يوسف عليه السلام يفسر الرؤى والأحلام للناس، وقد ذكر القرآن الكريم أن هذه نعمة من الله تعالى عليه، حيث قال: “وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلْأَحَادِيثِ.”
وقد كان تأويل الأحاديث سببا أن يصل يوسف عليه السلام أن يكون وزير مصر، حين رأى ملك مصر سبع بقرات سمان يأكلهن سبع بقرات ضعاف، ورأى سبع سنبلات قمح خضر، ومثلهن يابسات، وطلب من حاشيته أن يأولوا له الرؤيا، فأجابوه بقولهم: “أَضْغَـٰثُ أَحْلَـٰمٍۢ ۖ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ ٱلْأَحْلَـٰمِ بِعَـٰلِمِينَ”.
وكان يوسف قد سجن معه فتيان، وقد اعتقلا في اتهام وضع السم للملك، فرأى أحدهما أنه يعصر خمرا، ورأى الآخر أن الطير تأكل من فوق رأسه خبرا، ففسر الرؤيا أن الأول سينجو والثاني سيقتل، وطلب من الذي سينجو أن يذكر اسمه عند الملك، فلما رأى الملك ما رأى ولم تخبره حاشيته عن تأويل الرؤيا، تذكر يوسف، واستأذن الملك، وذهب ليوسف في السجن، وأخبره يوسف أنه ستأتي سبع سنوات يكثر فيها الخير والزرع، وتأتي بعدها سبع شداد يقل فيها الخير في البلاد، ثم زاد على ذلك أنه سيأتي بعده عام يعود الناس لما كانوا عليه من الخير والنماء، فلما سمع الملك بتأويل الرؤيا طلب مقابلة يوسف، وبعد مقابلة بعد فترة من الزمن، أصبح يوسف وزير مصر.
وممارسة أنبياء الله تعالى لشيء يوجب القطع بإباحة الفعل، على أن تأويل الرؤيا ليس معرفة بالرموز، كاللبن بالعلم، و السيارة بالمصيبة وغيرهما، فإن معرفة هذه المفردات تساعد، لكن تأويل الرؤيا هبة من الله تعالى لبعض عباده، وقد اشتهر في تاريخ المسلمين ابن سيرين البصري، والنابلسي وغيرهما ممن عرف عنهم تأويل الرؤى والأحلام.
وتأويل الرؤى والأحلام أشبه بالفتوى، فهي تختلف من شخص لآخر، ومن حالة لأخرى، ومن زمن لآخر، ومن مكان لآخر، ومعرفة الرموز أشبه بمعرفة الحكم الشرعي.
- وقد أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم أن ما يراه الإنسان في منامه واحد من ثلاثة:
– إما أن يكون رؤيا من الله، حيث يبشر الله تعالى العبد بشيء طيب، أو يحذره من شيء خبيث، وهذه من هبات الله تعالى وعطاياه لبعض خلقه، وليست نوعا من معرفة الغيب، لأنه لا يعلم الغيب إلا الله.
– أو يكون حلما من الشيطان، يريد أن يمغض على الإنسان نومه،وقد تعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن من رأى ما يكره، فليتفل على يساره ثلاثا، وليستعذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم.
– أو حديث نفس، وهو ما يعرف بالعقل الباطن، حيث يفكر الإنسان في بعض الأشياء ذات الاهتمامات عنده، وقد يحبس هذه الأشياء في نفسه، أو يتحدث بها، لكنها تشغل حيزا كبيرا من اهتمامه، فيظهر هذا في منامه.
على أنه ينبغي ألا يشغل الإنسان باله كثيرا بما يرى في المنام، فإنه لا يترتب على ذلك حكم شرعي، أو أن يقطع الإنسان بشيء في حياته، كالزواج والطلاق، بل هي شيء مساعد، وقد تكون واضحة لأن يأخذ قرارا بعيدا عن الحكم الشرعي، فالأحلام لا علاقة لها بالحلال والحرام، ولكنها رسائل إلى النفس.
كما أنه في ذات الوقت لا يمكن إنكار هذا العلم الكبير، فخير الأمور أوسطها، فلا إفراط ولا تفريط.
كما أنه من آداب الرؤى أن من رأى شيئا يعجبه، فلا بأس أن يحكيه لأحبابه وأصدقائه المقربين الذين يثق فيهم، وإذا رأى ما يكره، فلا يخبر بذلك أحدا من الناس، وليستعن بالله تعالى.
والرؤيا لا تتدخل في قدر الله، وإنما هي علامات وإشارات، وإنارات في طريق الإنسان فحسب، فيمكن وضعها في الاعتبار مع الأخذ بالأسباب والتوكل على الله تعالى.
والله أعلم.
- د. مسعود صبري