- السؤال:
تناقلت الأنباء قتل بعض الناخبين حين ذهبوا ليدلوا بشهادتهم في الانتخابات، وجاء وفق ما نقلته قناة “العربية” وغيرها من قتل ثلاثة ناخبين في محاولة من الشرطة لمنعهم من الإدلاء بأصواتهم، بخلاف ضرب الناخبين و إطلاق القنابل المسيلة للدموع، وقد تناقلت بعض وسائل الإعلام بوصف هؤلاء شهداء، فهل هم شهداء، وهل يصح إطلاق هذا الوصف عليهم؟ |
- الجواب:
بناء على النصوص الواردة في الشهادة، وأقوال الفقهاء من أن شهيد الآخرة هو من قتل مظلوما، فإن من قتل في الانتخابات برصاص الشرطة أو برصاص غيرها، غير معتد على قاتله، فهو يدخل ضمن شهداء الآخرة، لأنه قتل مظلوما. ومعنى أنه شهيد الآخرة أي له ثواب الشهيد، ولكنه لا يأخذ أحكامه، فشهيد الآخرة يغسل ويكفن ويصلى عليه، بخلاف شهيد الدنيا والآخرة، فإنه لا يغسل كما هو رأي جمهور الفقهاء، بخلاف ما قاله الحسن البصري وسعيد بن المسيب، فإنهما قالا بتغسيله أيضا.
- ودليل ذلك ما يلي:
1- أن الأحاديث لم تحصر لفظ الشهادة على من قتل في ساحة القتال، بل منها ما يحدث في بعض الأعمال المدنية مما لا دخل له فيها، كالهدم والغرق ومن مات مبطونا والحامل في حملها وغير ذلك كما في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله]، وهي حالات غير حالات الحرب، فلم يعد الشهيد مقصورا على قتيل الحرب في سبيل الله.
2- أن الأحاديث اعتبرت القتال عن المال شهادة، كما في حديث: [من قتل دون ماله فهو شهيد]، والدفاع عن المال حق مشروع، وإدلاء الناخب بصوته حق مشروع، فيكون قتله لأجل منعه من حقه، نوع من الشهادة.
3- يضاف إلى هذا أن من قتل إذا كان قتل لسعيه للإصلاح، وهذا لا يعلمه إلا الله، فاعتباره من شهداء الآخرة أولى ممن يحافظ على ماله، لأن المال حق خاص، والسعي للإصلاح حق عام، ولأن الحفاظ على المال يمكن أن يتسامح فيه، ولكن السعي للإصلاح مأمور به من باب الوجوب الكفائي، فيكون نيل ثواب الشهادة هنا أولى من الدفاع عن المال.
4- أما إطلاق لفظ الشهيد عليه، وإن كان يعرف اصطلاحا بأنه من قتل في الحرب مسلما مجاهدا في سبيل الله، فإنه لا يمنع من أن يطلق على كل من مات مظلوما شهيدا، لأن الأحاديث النبوية سمته شهيدا، [من قتل دون ماله فهو شهيد]، وحديث [الشهداء خمسة..] الحديث. غير أن الأولى أن يبقى لفظ الشهيد خاصا بشهيد القتال، ومن سواه فله فضل الشهادة دون إطلاق اللفظ عليه، تمييز لمكانة شهيد القتال، ولكنه لا يحرم إطلاق اللفظ عليه، لأن النصوص الشرعية تشهد له بهذا .
ولكن يجب التنبيه على أنه يحرم مثل أعمال الشغب و”البلطجة”، والاعتداء على الناس بغير حق، ومثل هذا يجب التعزير فيه حسبما يرى القاضي، أما في حالات القتل، فإن كان القتل جاء خطأ، ففيه دية القتل الخطأ وصيام شهرين متتابعين، وإن كان عمدا، فحقه القصاص، كما قال تعالى: {وَلَكُمْ فِى ٱلْقِصَاصِ حَيَوٰةٌۭ يَـٰٓأُو۟لِى ٱلْأَلْبَـٰبِ}.
وإن كان الإسلام يرى أن المسلمين إخوة فيما بينهم، فإنه لا يجوز الاعتداء على المسلم، بل الواجب الحفاظ عليه، ولتكن الانتخابات معركة نظيفة، يدعو كل مرشح لمبادئه وأفكاره، وعلى الناس أن تختار ما تشاء. وفي حديث الترمذي: [المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه، التقوى ههنا، وأشار إلى القلب بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم]. فإذا كانت الخيانة والكذب وعدم نصرته وتحقيره حرام، فكيف بقتل المسلم أخاه المسلم؟
والله أعلم
- د. مسعود صبري