- السؤال:
نشر في عدد من الصحف اختراع فيروس إسلامي لمنع دخول المواقع الإباحية يعرف بـ“يوسف علي- إيه”، فيظهر للمتصفح بعض آيات القرآن بدلا من الصور العارية، وأنه يلجئ متصفح المواقع الإباحية على الخروج رغما عنه، كما أنه نظام تشغيل ويندوز، فما حكم هذا العمل؟ |
- الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فاختراع “فيروس” لحجب الدخول على المواقع الإباحية مستحب شرعا إن لم يترتب عليه ضرر من ضرب نظام “الويندوز”، أو كان يمنع الدخول على ما لا علاقة له بالمواقع الإباحية من خلال تشابه كلمات البحث، أو كان سيترتب عليه ضرر أخر وهو مهاجمة المواقع الإسلامية بنفس البرنامج سدا للذرائع عملا بقول الله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ.} [1].
فاختراع فيروس ليحجب الناس عن الدخول عن المواقع الإباحية والوقوع في حبال شبكات الدعارة، أو مشاهدة الصور العارية أمر مندوب إليه، بل قد يصل إلى درجة الوجوب الشرعي، ومستند هذا الحكم على ما يلي:
1 – أن إنشاء المواقع الإباحية من صور الفساد، والأمة مأمورة بمحاربة الفساد أيا كان نوعه، وجاءت آيات القرآن الكريم تأمر بهذا، كما قال تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [2]، وقال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِين}َ [3]، وقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ. أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ}. [4]. وقد جاءت آيات محاربة الفساد في القرآن عامة لتشمل كل أنواع الفساد مهما تنوعت صوره في كل زمان ومكان.
2 – أن مثل هذا الفعل يدخل ضمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو واجب على الأمة من باب الفروض الكفائية، كما قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}،[5] كما وصف الله تعالى الأمة بالخيرية بناء على قيامها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ.} [6].
وأن مثل هذا العمل يعد تطبيقا لولاية المسلمين فيما بينهم، وتناصحهم بالخير ونبذ الشر، كما قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.} [7] وضابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حدده حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: ”من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.” [8]، ومطلق مفهوم الحديث أن تغيير المنكر له درجات، فأعلاها التغيير باليد،لأنه يعني إزالة المنكر، وهذا هو المقصود، ولهذا قدم التغيير باليد، ثم تأتي المرتبة الثانية في التغيير وهو التغيير باللسان، ثم التعبير عن التغيير بالقلب، وذاك أضعف الإيمان، غير أن هذا مرهون بقواعد فقهية حددها العلماء في فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإزالة الضرر.
3 – أن منع الدخول على المواقع الإباحية من إزالة الضرر المأمور به، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: “لا ضرر ولا ضرار.” [9]، وقال العلماء في قاعدتهم “الضرر يزال”، وقالوا أيضا: “الأصل في المنافع الإذن، وفي المضار المنع”، وإن كانت هناك مظنة مصلحة، وهو أمر لا يتفق عليه، فإن “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.”
4 – أن انتشار المواقع الإباحية فيها نوع من التعدي في الضرر، فليس الذي ينشئ الموقع يدخل عليه وحده، بل يتعدى الضرر إلى الغير، وهو محرم كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [10]، كما أن هذا الضرر عام لفئات كثيرة من المجتمع بعيدا عن المعتقد، وقد أثبتت الأبحاث العلمية الأضرار المتنوعة من جراء الأفلام الجنسية والمواقع الإباحية، وأن عددا من المؤسسات والهيئات العالمية طالبت بمنع الدخول على تلك المواقع ومنع تلك الأفلام، لما يترتب عليه من آثار ضارة، كانتشار العنف الذي قد يصل إلى حد القتل، حسب إحصائية نشرتها صحيفة “لو باريزيان” الفرنسية من كون الأفلام الجنسية تتسبب في انتشار العنف، بل من اللافت للنظر أن نسبة النساء كانت أكثر من الرجال في المطالبة بسن قوانين لمنع الأفلام الجنسية، بل نشرت الصحف حالات للقتل بسبب العنف الناجم عن المواقع الإباحية والأفلام الجنسية، وهذا يعني أن الضرر هنا إنساني عام يهدد المجتمع بالخطر.
5 – غير أن هذه الصورة التي يقصد منها إزالة الضرر يجب أن تضبط، وألا تكون مطلقة، فإن كان مثل هذا “الفيروس” يصيب جهاز الكمبيوتر بعطب أو يخرب بعض الأنظمة أو يفسد بعض البرامج، فلا يمكن القول بجوازه، لأن هذا ضرر أكبر، والفيروس صورة من صور النهي عن الفساد ورفع الضرر، وكما قال العلماء: “الضرر لا يزال بالضرر”، و “الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف” ، و “إذا تعارضت مفسدتان، روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما”.
ولأن الفيروس ليس مقصودا لذاته، ولكنه وسيلة من وسائل رفع الضرر، فيمكن الاستعاضة عنه بوسيلة أخرى خالية من الضرر إن أمكن، كما أن من أفسد شيئا، ضمن، لأن الإفساد لم يقف عند حد منع دخول المواقع بل تعداه إلى الاستخدام العام للكمبيوتر، أما إن كان الفيروس لا يفسد في نظام الكمبيوتر، وأنه يحقق منع الدخول فقط، فهو مستحب، بل قد يصل إلى الوجوب، لأنه ليس مستنكرا لا شرعا ولا عقلا.
ومن أهم ضوابط مثل هذا العمل، ألا يهين القرآن الكريم، بمعنى ألا يظهر في التصفح آيات من القرآن مع ظهور بعض الصور العارية، بل الأولى ألا يستخدم مثل هذا الفعل، لأنه قد يدعو الناس إلى كره القرآن الكريم في مثل هذه الحالة.
ولا يفهم أن هذا العمل من قبيل الحرية الشخصية، فإنه كما يقول الأستاذ الدكتور طه جابر العلواني – رئيس جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية في فيرجينيا ـ أمريكا:
بالنسبة للحرية الشخصية هي ليست مطلقة من المنظور الإسلامي بل من منظور الأديان كلها فهي قيمة مهمة ولكنها ليست مطلقة.
وعلى من يود ممارسة حريته أن يمارسها دون أن يؤذي الآخرين أو أن يساعد على انحراف أبنائهم وبناتهم وإشاعة الفاحشة في مجتمعاتهم فإذا أمكن إيقاف المشاهد الجنسية وأفلام Play Boy بوسائل مشروعة فهو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يثاب صاحبه.
ولكن لو أدى ذلك إلى ضرر أكبر فإن ذاك ليس للحكيم أن يفعل شيئا يمنع فيه ضررا أصغر ويقع هو في ضرر أكبر وبالتالي فإن الممارسين لمثل هذه الأمور الفنية أقدر على ملاحظة وتقييم هذه الأمور من خلال ملاحظة ما ذكرنا كما نلفت الأنظار بأن الآخرين يملكون من الوسائل ما يستطيعون به الإضرار بالمواقع الجيدة والصالحة ونخشى لو فتح الباب لمثل هذه الأمور أن يكون الخاسر أو المغلوب هي المواقع الجيدة التي لا شك أنها ستتعرض للانتقام ولذلك فإن هذه الأمور لا بد أن تحسب بدقة وأن يجتمع لمناقشتها خبراء في المعلومات مع خبراء في الاجتماع وعلم النفس والفقه والسياسة والقانون.
والله أعلم
- د. مسعود صبري
[1] – الأنعام : 108
[2] – الأعراف : 56 ، 85
[3] – القصص: 77
[4] – البقرة: 11-12
[5] – آل عمران : 104
[6] – آل عمران : 110
[7] – التوبة : 71
[8] – رواه أحمد ومسلم والأربعة عن أبي سعيد، راجع : كشف الخفاء للعجلوني، ج2/250 ، وكنز العمال، ج3/66
[9] – أخرجه مالك والشافعي عنه عن عمرو ابن يحيى المازني عن أبيه به مرسلاً، وهو عند أحمد وعبد الرزاق وابن ماجه والطبراني عن ابن عباس، وفيه جابر الجعفي، وأخرجه ابن أبي شيبة من وجه آخر أقوى عنه، والدارقطني من وجه ثالث، وفي الباب عن أبي سعيد وأبي هريرة وأبي لبابة وثعلبة بن أبي مالك وجابر وعائشة.راجع: المقاصد الحسنة، ج1/243
[10] – الأحزاب : 58