التكنولوجيا والإعلامالفتاوى

نشر صور الانتهاكات الجنسية

  • السؤال:
ما حكم نشر صور الانتهاكات الجنسية التي قام بها الأمريكان في سجن أبو غريب وغيره، حيث قامت بعض المواقع بنشرها كما هي؟

 

  • الجواب:

لمعرفة وجهة النظر الشرعية في استخدام الصورة التي تظهر فيها العورة في توضيح الفساد، أو إثبات التهم والجرائم يجب أن ننظر إلى الواقع الذي نزلت فيه الرسالة والتشريع، وما هي وسائل الإعلام ساعتها حتى يمكن لنا أن نكيف الحكم الشرعي للمسألة.

فإثبات الجرائم كانت إما بالاعتراف، أو بالشهود، أو باليمين أو غيرها من وسائل إثبات الجرائم، ولم تكن الصورة من هذه الوسائل المعروفة آنذاك.

والذي يحرمون التصوير عموما لا يحرمون النقل الفضائي أو النقل المتحرك، مع كون هذا أوضح من الصورة المطبوعة أو المرئية دون حراك، وبالتالي، فيجب أن نتجاوز هذه النقطة، إلى الحديث عن نشر الصور التي فيها نوع من ظهور العورات.

ولا شك أن ظهور العورات لا يجوز في الأصل، لما في ذلك من الفتنة وإشاعة الفساد في الأرض، وقد قال الله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ. [1].

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا تنظر المراة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد. [2]

وبالنظر لمقصود النهي أن فيه إشاعة للفاحشة، وتتبعا للعورات، مما يتبع ذلك انحلال في الأخلاق والسلوكيات، وهذا ما يخالف هدف رسالة الإسلام من السعي لنشر الأخلاق الفاضلة التي عبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.[3]

ولكن: ماذا لو كانت هذه الصور تفضح الظالمين، وتثبت التهم حتى يمكن رفع قضايا ضد الطغاة الظالمين، وكان ضمن هذه الصور الانتهاكات الجنسية للرجال والنساء؟

  •  والذي يبدو في هذه المسألة ما يلي:

أنه لا يجوز نشر الصور كما هي في الحقيقة، ولكن يمكن طمس العورات المغلظة عند الرجال، وطمس كثير من عورة المرأة، بحيث لا تظهر كما هي في الحقيقة، وفي ذات الوقت من رأى وهي مطموسة وصلت له رسالة الانتهاكات التي أحدثها المحتل الغاشم.

ويمكن حفاظ الصور كما هي في الحقيقة للمحافل الدولية، وللمحاكم المعنية، حتى يمكن إثبات الجرائم التي أوقعها الاحتلال بالمستضعفين من الرجال والنساء.

وقد أباح الشرع للأربعة من الرجال إن شاهدوا واقعة الزنى أن يشهدوا على الزاني والزانية، ومن شروط الشهادة هنا أن يروهما يقومان بفعل الزنى، وما دون ذلك لا يعد من الزنى الذي يقام عليه الحد، فلابد من رؤية ذات الفعل، وهذا يعني أنهم يطلعون على عورات من أتى الفاحشة، حتى يشهدوا عليهما، لإقامة حد الله.

ومن المقرر شرعا أن الأعمال بالنيات، كما جاء في الحديث الصحيح، وقد نهى القرآن عن النظرة المريبة، وأباح للخاطب أن ينظر لمخطوبته، وللعاقد أن ينظر للمعقود عليها، وللزوج أن ينظر لزوجته.

وكما حرم الإسلام كشف العورات، فإنه أباحها في بعض الأحايين، مثل حالات الكشف الطبي، أو في إجراء العمليات وغيرها، بالقدر الذي يجب الكشف فيه. وكما حرم الإسلام لمس المرأة، ولكنه يجب إذا كانت امرأة غريقة، فالحفاظ على حياتها مقدم على التحريم هنا، كما أنه في حالة  الإنقاذ  لا يفكر الإنسان في الشهوة وإثارتها من ناحية المرأة، وهذا يعني أنه يجب التفرقة بين الحكم عامة، والحكم في الحالة الخاصة، وهو ما يعرف بالفتوى.

كما أن في نشر مثل هذه الصور تحريكا للشارع العالمي في رفض هذا الاحتلال، وإثارة لذوي الهمم أن يجاهدوا وأن يدافعوا عن الحرمات.

و الصورة الآن لها تأثير كبير في نفوس الناس، فما عادت الكلمة وحدها ذات تأثير، فهناك الصورة  والصوت، فلهما تأثير أكبر من الكلمة المكتوبة.

وهذا يعني أنه يجوز نشر صور الانتهاكات التي يقوم بها الاحتلال الغاشم للمستضعفين المظلومين، مادام القصد منها فضحه أمام المحافل الدولية، والشارع الدولي، مع طمس ما يمكن أن يكون سببا في الإثارة، وإن كان الحال لا يجعل الإنسان يفكر في شيء، إلا من كان مريضا، وهذه حالة استثنائية لا يقاس عليها، مع ما في الطمس من التشويه الذي لا يترك مجالا للإثارة والشهوة.

والله أعلم

 

  • د. مسعود صبري

 

[1] – النور : 19

[2] – أخرجه الإمام أحمد والترمذي وأبو داود عن أبي سعيد، كنز العمال، ج5/325، وتحفة الأشراف، ج5/310

[3] – رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، ورواه البزار إلا أنه قال لأتمم مكارم الأخلاق ورجاله كذلك غير محمد بن رزق الله الكلوداني وهو ثقة. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج1/64

 

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى