- السؤال:
شر في بعض الصحف ومواقع الإنترنت عن انطلاق أول بطولة وطنية نسائية لكرة القدم بباكستان، وذكر أنها تكون بـ”ضوابط” تحترم القواعد الإسلامية والأعراف الاجتماعية في البلاد. وبموجب هذه الضوابط، لن يسمح للرجال بالدخول إلى الاستاد لمشاهدة البطولة التي تستمر ستة أيام بين ثمانية فرق، رغم أنه يسمح لكل فريق بمدرب واحد من الرجال. وسيطلب من النساء اللعب بسراويل واسعة وقمصان طويلة الأكمام. فما الرأي الشرعي في إقامة هذا الدوري النسائي لكرة القدم؟ |
- الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإنشاء فرق للنساء للعب كرة القدم بشروط شرعية من ستر العورة وعدم اطلاع الرجال عليهن أثناء اللعب، وخلوها من المقامرة جائز شرعا من حيث الأصل. فإن فقدت أحد الشروط، فليست بجائزة، كما أنه يجب دراسة الحاجة إلى مثل هذه المباريات النسائية، وينظر لمقصدها، فإنما الأحكام بالمقاصد.
والأصل في ممارسة الرياضة الإباحة سواء للرجال أو للنساء، إن توافرت فيها الشروط الشرعية العامة، والشروط الخاصة بالنساء، هذا من حيث القاعدة. ويبقى الحكم بالحل أو الحرمة في كل حادثة بعينها تبعا لموافقة الحادثة للضوابط الشرعية أو مخالفتها له، أو الإخلال ببعض الشروط، مع ضرورة النظر إلى المسألة بعين فقه المآلات؛ وبالضوابط المقاصدية للشريعة الإسلامية.
وبناء على المسألة محل السؤال، فإنه يجوز تنظيم دوري كرة القدم النسائي، بناء على ما توافر فيه من شروط شرعية، من منع الرجال من دخول النادي للمشاهدة، والتزام النساء بلبس سراويل واسعة، و قمصان طويلة الأكمام، لأن اللعبة في أصلها مباحة، و ” الأصل في الأشياء الإباحة”، كما هو مقرر عند الفقهاء، و لستر اللاعبات عوراتهن، إذ من المعلوم أن عورة المرأة بينها وبين النساء ما بين السرة والركبة، ومنع الرجال من المشاهدة خشية انكشاف العورة.
ولكن هناك ضوابط أخرى يجب مراعاتها، وهي:
- عدم إذاعة المباريات:
فيجب ألا تذاع هذه المباريات على الهواء في التلفاز أو الفضائيات، حتى وإن كانت النساء تلبس ملابس واسعة، لأن الحركات التي تصدر عن اللاعبات من الممايلة أو السقوط على الأرض، أو التسلل عبر اللاعبات للذهاب للمرمى، و ما يتبع ذلك من الحركات التي تقوم بها اللاعبة فرحا وابتهاجا بإحراز هدف، فإن كل هذا يجب ألا يظهر أمام الرجال، وقرين المنع أمران:
أ- مثل هذه الحركات قد تؤدي إلى ظهور جزء من العورة للمرأة محرم كشفه، أمام الأجانب من غير المحارم، وهو محرم بنص القرآن الكريم، كما قال تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، فحددت الآية ألا يظهر من عورة المرأة شيء أمام غير المحارم.
ب- أن الآية حظرت من الضرب بالأرجل حتى لا يظهر ما يخفى من زينة، {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}، فإن كان هذا في لبس خلخال يُسمع صوته، فإنه يحرم من باب أولى الاطلاع على تلك الحركات الرياضية التي تظهر من المرأة أثناء لعبها بما يزيد عن ظهور صوت ما خفي، فإن الحركات تجمع بين الظاهر والمخفي.
- أن يكون كل من المدرب والحكام من النساء
فيشترط أن يكون المدرب امرأة من النساء، لأنه يطلب منهن القيام ببعض التمرينات الرياضية بما فيها من تفريج ما بين القدمين، أو التمايل أو النزول والهبوط وما يتبع كل ذلك من حركات للجسد لا يجوز للرجل أن يطلع عليها من المرأة، ولو بملابس فضفاضة، و كذلك الحكام، سواء أكانوا الحكام في داخل الملعب، أم الحكم الخارجي، وإن كانت فرق الكرة في الرجال يقوم بها كل الرجال، فمن الأولى أن تكون كل فرق النساء تقوم بها النساء.
- ستر العورة عند خلع الملابس
وفي علاقة اللاعبات فيما بينهن، فإنه يجب ستر العورة، كما جاء في الحديث: “لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة، ولا الرجل إلى عورة الرجل.” وخاصة في غرف تغيير الملابس، فلا يكون هناك تهاون في كشف العورة بين اللاعبات.
وفي تحديد العورة بينهن أحاديث عدة، منها ما ورد عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “ما فوق الركبتين من العورة وما أسفل من السرة من العورة.” رواه الدارقطني والبيهقي.
و ما جاء من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “علموا صبيانكم الصلاة وأدبوهم عليها في عشر وفرقوا بينهم في المضاجع،وإذا زوج أحدكم أمته عبده أو أجيره فلا ينظر إلى عورتها والعورة ما بين السرة والركبة.” رواه أبو داود والبيهقي.
- الوقوف على القصد من تنظيم المسابقة
فلا يجوز أن تكون إقامة المسابقة الرياضية أيا كان شكلها “دوري” أو “كأس” مجرد تقليد للفكر الغربي، أو استجابة لمطالب لا تتناسب مع العرف القائم في بلادنا، وقد اتفق الفقهاء على اعتبار العرف في الاجتهاد الفقهي، وجنح بعض إلى أنه أحد أدلة التشريع، مع ما في ذلك من خلاف، أما التقليد لذاته بما لا يتناسب مع أعرافنا، وما قد يتبعه من مفاسد أكبر من توافر الشروط الشرعية في الممارسة، فلا يجوز، بناء على اعتبار فقه المالآت في المسألة، إذ من المعلوم أن جهاز “الفيفا” الدولي يرصد مبالغ طائلة للدول الإسلامية للقيام بالألعاب الرياضية، ويشترط أن تنفق بعض النسب على الكرة النسائية، وهذا يعني أنه في بعض الأحيان تنشأ الفرق النسائية لأجل ما يأتي من الدعم المالي من الهيئات الدولية الرياضية، أو السعي وراء إثبات أن الدولة تعطي للمرأة حقوقا إضافية حتى تحسن الصورة أمام الدول الغربية، دون مراعاة للأعراف والتقاليد، أو الالتفات إلى قواعد ومقاصد الشرع الحكيم، وهذا يخرج المسألة من كونها تبيح للمرأة الممارسة، لأن المقصود ليس ممارسة النساء اللعبة الرياضية، ولكن غلب عليه مقاصد أخرى، والأمور بمقاصدها.
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم.” قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: ”فمن؟”
وكما ورد عن ابن مسعود: لا يتبعن أحدكم دينه رجلا، إن آمن؛ آمن، وإن كفر؛ كفر، فإنه لا أسوة في الشر. وليس بلازم أن يكون في بلد ممارسة معينة أن تنتقل إلى كل البلاد، فالاختلاف سنة في بني البشر، كما قال تعالى: “ولا يزالون مختلفين.”
والله أعلم
- د. مسعود صبري