التكنولوجيا والإعلامالفتاوى

قناة الحرة: التعامل والمشاهدة

  • السؤال:
هل يجوز لنا أن نشاهد قناة الحرة الأمريكية، رغم علمنا أنها صنعت لأغراض أمريكية بحتة؟

 

  • الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

 

فبحكم أن هذه المسألة إعلامية بالدرجة الأولى، فكان واجبا أن نضع بين أيدينا بعض المعلومات التي أدلى بها الإعلاميون عن هذه القناة، لأنه كما يقول الفقهاء: الحكم على الشيء فرع من تصوره.

فيرى كثير من المحللين الإعلاميين أن إنشاء قناة الحرة، هو جزء من الحملة الأمريكية الثقافية على المنطقة العربية، فهي تدعو إلى الهيمنة الأمريكية  ثقافيا على المنطقة، وإفساح الطريق أمام تحسين صورتها وصورة إسرائيل.

وهي جزء من الحرب الأمريكية الثقافية التي بدأتها تتضح عقب أحداث 11 سبتمبر، فهي تعد امتدادا لـإذاعة “سوا” الناطقة بالعربية والموجهة للعالم العربي، والتي لعبت دوراً في الحرب الإعلامية الأمريكية التي رافقت الحملة العسكرية على العراق، وكانت تبثُ برامجها وأخبارها للعراقيين من على متن سفينة عسكرية في الخليج العربي.

و هي أيضا امتداد لمجلة “هاي” العربية التي تخاطب فئة الشباب في العالم العربي ممن هم دون الثلاثين، وخاصة طلبة الجامعات ومن هم على مقاعد الدراسة، ووزعت من هذه المجلة عشرات الآلاف من النسخ بأسعار زهيدة، مستهدفة عقول الشباب العرب.

 

  • وعليه فإن الهدف من هذه القناة يتمثل في:

1-تحسين صورة الاحتلال الأمريكي في العراق.

2- تغيير مسار التفكير العربي المسلم للتطبيعمع الكيان الصهيوني.

3- تقديم البديل الإعلامي لقناتي الجزيرة والعربية.

 

  • ويمكن إيجاز الحكم الشرعي في مشاهدة هذه القناة على النحو التالي:

أنه لا يجوز للمسلم أن يشاهد كل ما فيه تشويه للدين، أو تشويه للعقل والفكر، وأن يكون على وعي كامل بكل ما يحاك للأمة، وإن كان الفقهاء قد قرروا أن هناك مقاصد خمسة كبرى يجب على المسلم الحفاظ عليها، هي: الدين والنفس والعقل والمال والنسل، فإن من الحفاظ على الدين والعقل ألا يشاهد الإنسان في هذه القناة خاصة وفي القنوات عامة ما يضر دينه، وكذلك مقاطعة البرامج التي تغزو العقل المسلم، من باب الحفاظ على العقل.

أما من حيث مقاطعة القناة مقاطعة عامة، فينظر: هل من الأجدى مقاطعة القناة، حيث إن هذا قد يكون سببا في فشلها وإغلاقها؟ وهل يعد هذا نوعا من المقاطعة الجديدة؟

أم أن الأولى أن نتابع القناة، لأن المشاهد لم يعد غافلا، بل قد يظهر العدو على صورته الحقيقية بشكل أوضح؟ وحتى يمكن الرد على المزاعم التي تقدمها هذه القناة؟ ولاسيما أنها ليست الأداة الوحيدة للإعلام الأمريكي الموجه للعرب؟ وما هي أهم السبل التي يمكن أن تواجه بها الأمة الحرب الإعلامية بشكل عام؟ وما دور القنوات والصحف ووسائل الإعلام العربية والإسلامية في هذا الشأن؟

فمن الناحية الاقتصادية فالحياة الأمريكية بشكل عام قائمة على فكرة المنتج، سواء أكان هذا المنتج ثقافيا أم سياسيا أم أدبيا، أم اقتصاديا، فالعمل الثقافي الأمريكي هو جزء من ترويج المنتج الأمريكي، وهم يسعون لترويجه، وأن يمرر من خلاله بعض المبادئ والثقافات الأمريكية، من باب الهيمنة الأمريكية على العالم.

كما أن أمريكا تهدف من خلال هذه القناة إلى إيجاد تفاعل مباشر مع الشعوب، بدلا من التعامل مع الأنظمة، للوقوف على الرأي العام العربي والإسلامي منهم، بأسلوب مباشر، وللتعرف على النخب ذات التأثير، وقد يكون هذا سبيلا للتواصل معهم.

و يقول الدكتور سامي الشريف وكيل كلية الإعلام جامعة القاهرة:

في تقديري، ومن خلال متابعتي لهذه القناة: قناة الحرة قناة ضعيفة إعلاميا من حيث الفكرة وإعداد البرامج، فهي تقدم بضاعة فاسدة ومحروقة لدى المشاهد العربي؛ فالدعاية الأمريكية الرسمية ضعيفة بطبعها تتضح فيها الصبغة الدعائية المباشرة؛ ولهذا توقفت إذاعة صوت أمريكا الناطقة بالعربية والتي سبق وأن أطلقوها، لكن ليس معنى ذلك أن نأمن لمثل هذه القنوات بل علينا أن نقوي إعلامنا، ونحصن شبابنا بالقيم والأخلاق والتمسك بالعادات والتقاليد حتى يتمكن من مواجهة مايبث على القنوات الأجنبية.

ولا يمكن أن نقول بمقاطعة هذه القناة لأنها أمريكية؛ لأن في الواقع لا يمكن لأي دولة أو شعب أن يقاطع قنوات يبثها العدو، بل على العكس يجب علينا متابعتها للتعرف على أساليب الدعاية والأساليب الملتوية التي يخاطبوننا بها -نحن العرب- حتى نواجه هذه الأساليب ونتعرف على الخصم لنتسلح بأسلحة قادرة على مواجهته؛ والدعوة لمقاطعة مثل هذه القنوات والوسائل غير قابلة للتطبيق لأن الناس –مهما قلنا- ستتابع، وهي دعوة سلبية لا تمكن من معرفة أساليب هذه القنوات، وكما يقال: من عرف لغة قوم أمن مكرهم.

 فبقليل من الحكمة والإعداد الجيد يمكن أن نواجه دعايتهم ونخضعها للدراسة، فالمقاطعة ليست دائما هي الحل وإنما المواجهة. انتهى

وعليه فلا يجوز للمسلم أن يعمل في هذه القناة، بعد وضوح أهدافها، بل يجب على المسلمين مقاطعة هذه القناة من حيث العمل، لأن العمل فيها يمثل منظومة الإنشاء والتأسيس، وأن العاملين هم أدوات البث المباشر للفكر الأمريكي، وما يريده من أهداف مضرة بالمنطقة العربية والإسلامية، فكانت المقاطعة هنا من الواجب الديني، بحيث يأثم من يقوم بالعمل في هذه القناة، بأي شكل من الأشكال وهو يدري الأسباب الحقيقية لهذه القناة.

أما حكم مشاهدة القناة، فإنه يجب التفريق بين البرامج، فإن كانت البرامج مما يضر الدين مباشرة، كالبرامج والأفلام الجنسية وأغاني الفيديو كليب، وغيرها فهذا لا يجوز مشاهدته في قناة الحرة وفي غيرها.

أما البرامج التي فيها ضرر على العقل، والتي يمرر الأمريكان من خلالها بعض المفاهيم والقيم الأمريكية المخالفة لديننا الحنيف، فيجب على المسلم المتابع للإعلام، والمتخصص أن يقوم بالرد عليها، وتوضيح الصورة الصحيحة لما يقدم من أفكار. وهذا الدور يقوم به الإعلاميون والمتخصصون في المقام الأول، مع من يجد في نفسه القدرة على الرد كنوع من الجهاد الإعلامي، أما من كان من غير أهل الاختصاص و لا يجد في نفسه القدرة على الرد، غير أنه لن يخدع بما يقال، ولا يجد فائدة في المشاهدة، فتكون المشاهدة مكروهة في حقه، لأنه ما انتفع بالمشاهدة، ولم يصبه منها ضرر.

أما من يخشى على نفسه أن تبث بعض الأفكار المسمومة، بحيث لا يجد نفسه قادرا على التمييز، ولا يجد من يستوثق منه أو يسأله في كل ما يشاهد، ويغلب عليه جانب الضرر على جانب النفع، فتكون المشاهدة في حالته أقرب إلى الحرمة، فيتوجب عليه البعد عن مشاهدة ما يجد فيه ضررا على دينه وعقله وسلوكه وأخلاقه.

فيكون الحكم مبني على طبيعة البرامج المقدمة،وعلى مدى تحليل المشاهدين من حيث الانتفاع أو إحداث الضرر، ودرجة كل واحد منهم من حيث هذه الضوابط الموضحة.

والله أعلم.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى