الأسرةالزواجالفتاوى

حائر: زميلته تحبه وتريد الزواج وأمه ترفض

  • السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم

أنا شاب ملتزم أتقي الله ما استطعت (لا أزكي نفسي على الله)

 إخواني من أجل التوضيح أقول لكم:

إننى أعمل بمؤسسة حكومية والحمد لله، تعرفت على أخت ليست عاملة دائمة بل هي عاملة مؤقتة أصبحت تعمل معي في المكتب، وكنت متقربا منها بكثرة وهي متحجبة ومحافظة على دينها، وبطبيعتنا يا إخواني نحب الأخوات الملتزمات.. كنت أتبادل معها الكلام في أمور الدين والإدارة، وكنت أحكي معها بكثرة، نيتي لم تكن قصد الزواج حيث لم أصارحها؛ لأنه لم تكن لدي فكرة الزواج، بدأت تقول في قرارة نفسها: ماذا يريد مني؟ هل يريد التقدم إلي ولا يستطيع؟ أم ماذا؟

 طال الحال على هذا الإشكال، هي نيتها الزواج وأنا ليست لدي نية الزواج، بل إخواني مجرد محبة أخوية فقط.

بعد سنتين تقريبا تشجعت وقالت: هل تريد الزواج بي أم لا؟

 فقلت لها يا أختاه لم أعدك بذلك ولم أقل لك أي شيء في هدا الموضوع، فصدمت ومرضت لأيام بسبب رفض الزواج.

 فيا إخواني طلبت منها المعذرة والسماح، لكن يا إخواني زاد التعلق بيننا ولكن بدون زواج حتى صرحت لها أني أحبها، حتى أردتها للزواج لكن يا إخواني الوالدة طلبت مني أن أختار زوجة عاملة وألحت علي في الطلب بكثرة حتى نزلت يا إخواني عند رغبتها.

 يا إخواني وطلبت منها أن أختار زوجة في سلك التعليم أو مرشدة تابعة للشؤون الدينية مع اشتراط ذات الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت للأخت معذرة أريد المفارقة معك فتحسرت، وفي إحدى المرات  قالت خذ برأي أمك حتى لا يكون هناك عصيان وتصبح ندمان في المستقبل..

 مرت الأيام وأعيد الحديث من طرفها، لماذا لا تريد الزواج بي؟ حيث إن طرح الوالدة لم يكن مقنعا لها فأصبحت مترددة وفي حالة نفسية صعبة أحببتها حبا شديدا ولم أستطيع الزواج بها، بحيث إني أبحث عن زوجة عاملة كما قلت سابقا ولحد الآن لم أجد ما أصبو إليه.

بعد أيام تقدمت إلي برسالة خطية تحكي فيها قصتها معي قالت فيها لقد عذبتني وأشغلتني كثيرا، وسببت لي أمراضا بين الحين والآخر، وكنت لا تريد إلا الحب وضياع الوقت معي وهذا ليس من طبعك، وكنت تعطيني أهمية من جانب الحديث معي، والسؤال عني والارتباط بي.

 وقالت في آخر الرسالة:  لا أريد الزواج بك حتى لو غيرت أمك رأيها لأنك عذبتني قبل الزواج وربما تزيدني عذابا بعد الزواج.. كما قال تعالى:(وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم) وأطلب منك أن تعاملني كأخت ولا تطلب الخروج معي ولا تتركني أضعف أمامك.

 سؤالي إخواني هو:

ما حكم ما عملته  شــرعا.

وهل يجب علي شرعا طاعة الوالدة، أم أنه يمكن لي الزواج بدون موافقة أمي؟

 

  • الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

الأخ الفاضل:

في سؤالك ثلاثة مسائل فقهية ينبي عليها حل أمرك، هي:

  1. العلاقة الخاصة بين الجنسين
  2. اختلاف النية في التعامل بين الجنسين
  3. طاعة الابن للوالدين في الزواج

 

  • المسألة الأولى: العلاقة الخاصة بين الجنسين:

الحديث الخاص الذي يصاحبه كلام معسول وطول فترة الكلام وإشعار الخصوصية بين رجل مع امرأة أجنبية عنه لا يجوز شرعا، لما يترتب عليه من ارتكاب محرمات، كالنظرة المحرمة، والكلام المحرم، وتعلق القلب وتوليد العشق بين أجنبيين.

وأساس التحريم هنا أن هذه مقدمات لوسائل غير مشروعة، والوسائل تأخذ حكم المقاصد، كما يقول الفقهاء في قواعدهم،  فالنظرة غير العابرة بين الجنسين محرمة لقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} النور: 30-31.

 وعن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يا علي إن لك في الجنة كنزاً وإنك ذو قرنيها فلا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى.” رواه البزار والطبراني في الأوسط وزاد ليست لك الآخرة، ورجال الطبراني ثقات.

وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من تركها من مخافتي أبدلته إيماناً يجد له حلاوته في قلبه.” رواه الطبراني.

كما أن الكلام العاطفي بين الجنسين محرم، لأنه لا تحل له، وما يترتب عليه أيضا من محرمات، وقد قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}. ق:18

 وعن بلال بن الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة.” رواه مالك وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة

كما أن العاطفة بين الجنسين خارج إطار الزواج لا تجوز، وهو أمر تستنكره الفطر النقية، والعقول السليمة، وقد قص الله تعالى عن صواحب يوسف في القرآن قولهن: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} يوسف:30، والعاطفة تغلق القلب فلا يرى الحق، ولهذا قال الله على لسانهن  ”قد شغفها حبا”، أي غلف حبه قلبها وحجبه فلا ترى شيئا سواه.

والعشق يأتي من دوام الكلام، وقد قال المأمون رحمه الله تعالى:

 أول العشق مزاح وولع        ثم يزداد إذا زاد الطمع

كل من يهوى وإن غالت به     رتبة الملك لمن يهوى تبع. (أدب الدنيا والدين: 162)

وقد نقل ابن مفلح الحنبلي عن بعض الحكماء قولهم: “ليس العشق من أدواء الحكماء إنما هو  من أمراض الخلفاء الذين جعلوا دأبهم ولهجتهم متابعة النفس. وإفراط النظر في المستحسنات من الصور، فهنالك تتقيد النفس ببعض الصور فتأنس، ثم تألف، ثم تتوق، ثم تتشوق، ثم تلهج فيقال عشق، والحكيم من استطال رأيه على هواه وتسلطت حكمته أو تقواه على شهوته، فرعونات نفسه مقيدة أبدا، كصبي بين يدي معلمه أو عبد بمرأى سيده وما كان العشق إلا لأرعن بطال، وقل أن يكون في مشغول ولو بصناعة أو تجارة فكيف بعلوم شرعية أو حكمية؟ فإنها صارفة عن ذلك. الآداب الشرعية والمنح المرعية لابن مفلح، ج 3/126-127.

ومما أجمعت عليه  الأمة، وسار عليه العمل، أن العلاقة الخاصة إنما تكون بين من لهم سبب رابط، كالزوجية، أو النسب أو غيرهما، أما العلاقة العاطفية الخاصة بين أجنبي وأجنبية فلا تجوز، وهذا بخلاف الحديث بين الجنسين، فأصله ليس محرما، وإنما يحرم بطبيعة الكلام إن كان خارجا عن أصول الشرع الحنيف.

وأنت أخطأت حيث جعلت العلاقة تأخذ هذا النحو الخاص لمدة سنتين، فكان من الطبيعي أن تتعلق بك، وإن لم تتعلق أنت بها.

كما أنه لا يجوز الخروج وحدكما، كما يفهم من طلبها منك، لأنها أجنبية عنك، لما يترتب على ذلك من الوقوع في المحرمات، مما يعرفه الطبع ويحذر منه الشرع.

 

  • المسألة الثانية: اختلاف النية في العلاقة:

إن حسن نية الفتاة من حيث كونها كانت تتحدث لك عسى أن ترتبط بها، وحسن نيتك أنك تتعامل معها كأخت في الله، لا يجيز مثل هذه العلاقة، فكلاكما مخطئ وآثم، وذلك أن الفعل لا يكون صحيحا في الشرع إلا من خلال أمرين:

الأول: أن تكون النية خالصة لله.

الثاني: أن تكون وفق الشرع.

فقد تكون النية صالحة، ولكن الفعل خلاف الشرع فيحرم، وهذا ما وقعت فيه أنت وصاحبتك.

و دليل ذلك قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} الكهف: 110

فلا يعافيك من الذنب والإثم أنك لم تكن تنوي الزواج بها، أو أنك تعاملها كأخت لك، لأنه في الواقع لن تكون المعاملة بين رجل وامرأة كإخوة، مع وجود داعي الحب والشهوة.

 

  • المسألة الثالثة: موافقة الوالدين في الزواج

أما فيما يخص أن أمك طلبت منك أن تتزوج امرأة عاملة، وهذه الأخت مازالت عاملة مؤقتة، فإنه مما اتفق عليه الفقهاء أن الولي شرط في نكاح المرأة، وليس شرطا في زواج الرجل، فيصح زواج الرجل شرعا دون إذن أحد أبويه، ولكن إن كان رأيهما يوافق الشرع، كأن يكون الإنسان يريد الزواج من امرأة غير ذات دين، فيقدم رأيهما، ولو تزوج أيضا في مثل هذه الحالة؛ صح زواجه شرعا.

وعليه، فإن لك أن تتزوج هذه الفتاة، وألا تلتفت إلى رأي أمك، وإن كان الأولى استرضاءها وإقناعها بهذه الفتاة إن كنت ترغب في نكاحها، فإن لم توافق، ورأيتها ذات دين، وبها ما يدعوك إلى نكاحها، فلا بأس عليك أن تتزوجها بلا موافقة الوالدين.

يقول الشيخ عطية صقر- رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا:-

مخالفة الوالدين في اختيار الزوج أو الزوجة حرام إذا كان لهما رأي ديني في الزوج أو الزوجة يحذران منه. أما إذا كان رأي الوالدين ليس دينيًا، بل لمصلحة شخصية أو غرض آخر –والزواج فيه تكافؤ وصلاح – فلا حرمة في مخالفة الوالدين.
ومطلوب أن يكون هناك تفاهم بالحسنى بين الطرفين، رجاء تحقق الاستقرار في الأسرة الجديدة، وحتى يتحقق الغرض الاجتماعي من الزواج الذي ليس هو علاقة خاصة فقط بين الزوج والزوجة، وإنما هو علاقة أيضًا بين أسرتين، وفيه دعم للروابط الاجتماعية. اهـ

وقد سئل الشيخ عبد الله بن حميد- عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية: -رحمه الله- عن زواج الرجل من امرأة يحبها بدون موافقة الأهل فقال:-
لا بأس، إذا كانت المرأة مستقيمة في دينها وعرضها. وكذلك مكافئة لك في النسب فلا مانع من تزوجها. وإن لم يرض والداك إذا كان امتناعهما بغير حق.. اهـ

 

  • و عليه، فإنا نقول:

أنه يجب عليك أن تحدد موقفك من هذه الفتاة، هل ترغب في نكاحها أم لا؟ فإن كنت ترغب في نكاحها بشكل حقيقي، بعيدا عن التأثر بالعاطفة وموقفها، فعليك أن تتخذ خطوة جادة، وأن تتقدم لخطبتها، ولا تكون عاقا لوالدتك إن لم تستمع لكلامها.

أما إن كنت لا ترغب في نكاحها، ولم تجد فيها ما يدعوك لإتمام النكاح، فيحرم عليك دوام العلاقة معها، بل يجب أن تكون مجرد زميل لها في العمل، دون أن تكون هناك خصوصية في العلاقة، بل تعامل معها كأخت أو زميلة فحسب.

أما إقناعها برغبتك في النكاح إن كنت ترغب، فإنه من اليسير أن تقتنع، وأن تعتذر عما بدر منك، لأن الرغبة موجودة في أساسها، ولكن عليك أولا أن تدرك حقيقة الأمر في نفسك، لا أن تتزوجها من باب إرضائها.

و الله أعلم

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى