السؤال:
نسمع عن انتشار الكلام الجنسي عبر الشات ، أو ما يعرف بالجنس الإلكتروني ، أو السيبرسكس شات، وأنه يلجأ إليه بدلا من الزنى أو العلاقة الجنسية الفعلية المحرمة ، فما حكم هذا الأمر، وأليس هو أخف ضررا على المجتمع من العلاقات الجنسية المباشرة ؟ |
الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الجنس الإلكتروني أو “Cyber Sex chat” من الأمور التي انتشرت مع انتشار الإنترنت ، وخاصة في أوساط الشباب غير القادرين على الزواج ، كما أنه تعدى إلى المتزوجين الذين قد لا يجدون المتعة مع أزواجهم، بل يسعى البعض إليه من باب الترفيه عن النفس وإشباع الغريزة الجنسية، ظنا أن فيه استمتاعا بلا مشاكل حقيقة كالزنى، أو الارتباط الحقيقي بين شاب وفتاة، أو ما قد ينجم عن العلاقة المباشرة من حالات الإجهاض أو فقد عذرية الفتاة، أو انتقال بعض الأمراض كالإيدز أو السيلان ، وغيرهما من الأخطار التي تنجم عن العلاقة الجنسية المباشرة بين الجنسين.
وقد نظم الإسلام العلاقة بين الجنسين، وجعل العلاقة الجنسية مصونة بسياج الزواج، فكل علاقة جنسية بين الجنسين محرمة إلا الزواج.
الابتعاد عن الجنس الإلكتروني
كما أمر الإسلام الجنسين بالابتعاد عن كل ما يثير الغرائز، بل جاء الأمر لأمهات المؤمنين: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِى فِى قَلْبِهِۦ مَرَضٌۭ}. فلا يجوز الحديث بلين الكلام ، ولو كان بعيدا عن الكلام الجنسي، فكان الكلام الجنسي محرما من باب أولى، لما قد يترتب عليه من أضرار جسيمة.
يقول الإمام ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ} ، قال السدي وغيره يعني بذلك ترقيق الكلام إذا خاطبن الرجال ، ولهذا قال تعالى: {فَيَطْمَعَ ٱلَّذِى فِى قَلْبِهِۦ مَرَضٌۭ} أي دغل {وَقُلْنَ قَوْلًۭا مَّعْرُوفًۭا}، قال ابن زيد قولا حسنا جميلا معروفا في الخير، ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم أي لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها. انتهى
- وقال الإمام القرطبي:
أمرهن الله أن يكون قولهن جزلا وكلامهن فصلا، ولا يكون على وجه يظهر في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللين، كما كانت الحال عليه في نساء العرب من مكالمة الرجال بترخيم الصوت ولينه، مثل كلام المريبات والمومسات. فنهاهن عن مثل هذا.
وعلى الجملة فالقول المعروف: هو الصواب الذي لا تنكره الشريعة ولا النفوس. انتهى
وفسر البعض قوله تعالى: {فَيَطْمَعَ ٱلَّذِى فِى قَلْبِهِۦ مَرَضٌۭ} ، أي يحدث تشوف للفجور، وهو الفسق والغزل لمن تتحدث إليه النساء.
أضرار الجنس الإلكتروني
إن الالتجاء إلى الجنس الإلكتروني قد يفضي إلى ما يخشاه من يلجأ إليه، لأن إثارة الشهوة قد تفضي إلى العادة السرية، أو السحاق أو اللواط، أو الزنى، فتأثيره لا يقف عند حد الخيال، وإنما قد يترجم إلى الواقع بما هو محرم شرعا.
إن المجتمع المسلم يقوم على العفة وصيانة المحارم، والبعد عن الرذائل، بل قد جاء الإسلام ليحارب تلك الرذائل، فكل ما أفضى إليه، حرم شرعا.
كما أن كل ما أفضى إلى الحرام فهو حرام، وقد حرم الله تعالى كل الوسائل المفضية إلى الزنى ، ولم يجعل الزنى وحده محرما، فقال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} ، فحرم أسبابه والدواعي التي تؤدي إليه، من النظرة والكلام وغير ذلك.
كما أن الكلام الجنسي قد يفضي إلى خراب البيوت، وطلاق بعض النساء من أزواجهن، كما هو الحال المشاهد، ولا يجوز تخبيب المرأة على زوجها، ولو بحجة أنه يريد طلاقها من زوجها ، ويتزوجها، فمثل هذا يحرم أيضا.
يقول الشيخ القرضاوي يرحمه الله في الحديث بين الجنسين:
الكلام بالمعروف لا ينكر شرعًا، والله تعالى قد قال: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَض…}، فما دام الكلام مشروعًا، وليست هناك خلوة، وكان الكلام في موضوعات نافعة مما يهم الطرفين، كأن يكونا مشغولين في الأدب فيتحدثا فيها أو في شؤون المسلمين، وغيرها إذا لم يُخْشَ من وراء ذلك فتنة، وكل إنسان أدرى بنفسه، لا ينبغي أن يكون همُّ الشاب الحديث مع الفتيات فقط، ولا يتحدث مع مثله من الشباب، وكذلك لا يكون همُّ الفتاة أن تتحدث مع الشباب، ولا تتحدث مع مثيلاتها من الفتيات، فهنا ينبغي التفتيش في دخائل النفس؛ ليعرف الإنسان حقيقة اتجاهاتها، ولا يخدع نفسه بما يعلم أنه يخالف الحقيقة، وإذا انتهت هذه العلاقة بالزواج فلا بأس بذلك. انتهى
وعلى الأمة أن تسعى لتوعية الشباب والفتيات والرجال والنساء لخطر هذا الأمر، وأن يقوم علماء النفس وعلماء الاجتماع مع علماء الشريعة ببيان خطره وأضراره.
ويجوز للحاكم المسلم أن يعزر كل من قام بمثل هذا الفعل بعد معرفة خطرها وضررها، لأنه هدم لأخلاق المجتمع بما يعود بالضرر على المسلمين جميعا، بل على الإنسانية كلها، لأن الإنسانية في حاجة إلى حياة نظيفة لا يشوبها التفكك الاجتماعي. وما توصل أعداء الإنسانية والإسلام إلى درجة تفكك المجتمعات وانحلالها إلا من خلال العلاقة الجنسية المحرمة.
والله أعلم
المفتي : د مسعود صبري