- السؤال:
هل يجوز القتال ضد العدو إن كان ذلك بنية الدفاع عن النظام كنظام، أم أنه لابد من أن يكون القتال والدفاع خالصا لوجه الله تعالى فحسب؟ |
- الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالجهاد بمفهومه العام بأنواعه المختلفة، أو مفهومه الخاص، وهو مباشرة القتال يجب أن تتوجه فيه النية لله تعالى، وألا يبتغى به إلا وجه الله، ولا تعارض بين الجهاد في سبيل الله، والدفاع عن الأرض والوطن، لأن الله تعالى الذي نبتغيه بجهادنا شرع فيما شرع الجهاد تحريرا للأوطان.
ولكن الذي لا يجوز أن نجاهد من أجل أفراد أو أفكار لا علاقة لها بالإسلام، بل لابد أن يكون الجهاد تحت لواء الإيمان الخالص، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ}، وذلك أن تغيير نية الجهاد من كونها طاعة لله، إلى شيء يصادم هذه العقيدة يفقد فيها الناس نصر الله تعالى، وتأييده لهم، ويبقى الأمر مرهونا بالقوى المادية.
وإن كان الناس ينظرون إلى الحروب على أنها حسابات مادية، فإن الإسلام يضيف إلى الحسابات المادية الإيمان الصادق بالله، والتوسل إليه، والإلحاح في الدعاء لطلب النصر، ومن هنا شرع القنوت في الصلوات.
وقد جعل الله تعالى طلب النصر نصرا له ولدينه، فقال تعالى: {إِن تَنصُرُوا۟ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، فإن كان القتال الذي هو نوع من الجهاد لا يبتغى به وجه الله، فلا ينتظر الناس النصر من الله تعالى.
والمطلوب من المسلمين في حالات الحروب إعداد ا لقوة المادية قدر المستطاع، واتخاذ الأدوات العصرية الحديثة للدفاع وصد العدوان، وهذا يكون بقدر الطاقة.. ولكن هناك أمور مطلوبة أخرى، من تصحيح الإيمان، وترك المعاصي والتقرب إلى الله تعالى، وغيرها من الأمور الأساسية التي لا يجوز للمسلم التخلي عنها لا في الحرب ولا في السلم، وإن كانت في الحرب آكد، والحاجة إليها أمس.
والنصوص الشرعية من الكتاب والسنة تطالب المسلم أن تكون الأعمال كلها خالصة لله.
- وقد نص القرآن الكريم في أكثر من آية أن يكون الجهاد لله تعالى، ومن ذلك:
قوله تعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ}.
وقوله سبحانه: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
ويقول سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
ويقول سبحانه: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ}.
- كما جاءت مجموعة من الأحاديث النبوية توجب أن تكون نية الجهاد لله تعالى، من ذلك:
ما رواه أبو موسى قال: [سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل اللّه فقال من قاتل لتكون كلمة اللّه العليا فهو في سبيل اللّه]. رواه الجماعة.
وعن عبد اللّه بن عمرو قال: [سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول: ما من غازية تغزو في سبيل اللّه فيصيبون غنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم في الآخرة ويبقى لهم الثلث وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم]. رواه البخاري والترمذي.
وعن أبي أمامة قال: [جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال له: أرأيت رجلًا غزا يلتمس الأجر والذكر ما له فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: لا شيء له فأعادها ثلاث مرات يقول له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا شيء له ثم قال: إن اللّه لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا وابتغي به وجهه]. رواه أحمد والنسائي.
يقول الإمام الشوكاني تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: [من قاتل لتكون كلمة اللّه هي العليا فهو في سبيل اللّه]:
المراد بكلمة اللّه دعوة اللّه إلى الإسلام ويحتمل أن يكن المراد به أن لا يكون في سبيل اللّه إلا من كان سبب قتاله طلب إعلاء كلمة اللّه فقط بمعنى أنه لو أضاف إلى ذلك سببًا من الأسباب المذكورة أخل به. وصرح الطبري بأنه لا يخل إذا حصل ضمنًا لا أصلًا ومقصودًا به قال الجمهور كما حكاه صاحب الفتح ولكنه يعكر على هذا ما في حديث أبي أمامة من أن اللّه لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا ويمكن أن يحمل على قصد الأمرين معًا على حد واحد فلا يخالف ما قاله الجمهور ـ فالحاصل ـ أنه إما أن يقصد الشيئين معًا أو يقصد أحدهما فقط أو يقصد أحدهما ويحصل الآخر ضمنًا والمحذور أن يقصد غير الإعلاء سواء حصل الإعلاء ضمنًا أو لم يحصل ودونه أن يقصدهما معًا فإنه محذور على ما دل عليه حديث أبي أمامة والمطلوب أن يقصد الإعلاء فقط سواء حصل غير الإعلاء ضمنًا أو لم يحصل.
قال ابن أبي جمرة: ذهب المحققون إلى أنه لو إذا كان الباعث الأول قصد إعلاء كلمة اللّه لم يضره ما ينضاف.
وقال الإمام ابن حجر في الفتح: والحاصل مما ذكر أن القتال منشؤه القوة العقلية والقوة الغضبية والقوة الشهوانية ولا يكون في سبيل اللّه إلا الأول.
وقال ابن بطال: إنما عدل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن لفظ جواب السائل لأن الغضب والحمية قد يكونان للّه فعدل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن ذلك إلى لفظ جامع فأفاد رفع الالتباس وزيادة الإفهام وفيه بيان أن الأعمال إنما تحتسب بالنية الصالحة وأن الفضل الذي ورد في المجاهدين يختص بمن ذكر.أ.هـ
ومن الأحاديث التي تدل على أن الجهاد يجب أن يكون لله تعالى، ما وردعن أبي هريرة قال: [سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول: إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرّفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكن قاتلت أن يقال جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى يلقى في النار ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال ما عملت فيها قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع اللّه عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه فألقي في النار]. رواه أحمد ومسلم.
وقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة قال: [قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: يقول اللّه تعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه].
ومن هذا كان من الواجب على كل مسلم دخل في قتال وجهاد ضد العدو أن يصحح نيته، وأن يجعلها لله تعالى، فلا يقاتل من أجل إرضاء النظام، ابتغاء مكانة يرجوها، فإن مكانة
الشهيد عند الله تعالى من أعلى المنازل التي ترتجى، لقوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتًۢا ۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا۟ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.}
والله أعلم
- د مسعود صبري