- السؤال:
هناك حديث للنبي صلى الله عليه وسلم يذكر فيه أن نهر الفرات سينحسر عن كنز من الذهب، ويفسر البعض هذا الحديث على أنه سيقع عقب انتهاء الحرب الأمريكية للعراق، فهل هذا التفسير صحيح؟ |
- الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فتفسير البعض أن الحرب الأمريكية على العراق، هي بداية ما ذكر في حديث انحسار الفرات عن كنز من الذهب، وأن الفرات سينحسر بعد انتهاء الحرب الأمريكية على العراق لا دليل له من الشرع. وخاصة أن كثيرا من العلماء يرى أن هذا يحدث في آخر الزمان، بل ومع بعض العلامات الكبرى للساعة.
وفي هذا التفسير تخدير للأمة وبث روح التواكل فيها، لتجعل الحرب الأمريكية قدرا من قدر الله، وهو تلبيس لا يجوز في دين الله، بل الواجب الدفاع والجهاد والقتال ضد كل معتد أثيم.
وتفسير البعض كنز الذهب الذي ينحسر عنه نهر الفرات بأنه البترول، تفسير تعسفي، لا دليل له معتبرا، فضلا عن أنه يصطدم مع الحقائق الشرعية الثابتة في الحديث، والتي لا يجوز تأويلها إلى هدف موضوع مسبقا، بنوع من التعسف المرفوض شرعا.
والواجب على الأمة أن تكون بنت يومها، وأن تجاهد عدوها، وأن تنظر مستقبلها بما يحقق لها الأمن والسلامة في الدنيا، والنجاة في الآخرة، والقيام بواجبها تجاه الإنسانية.
والحديث هو: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يُحْسَر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، فيقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا أنجو. رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن بألفاظ متقاربة.
و في رواية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً.
ومعنى الحديث أن نهر الفرات ينكشف عن كنز، فيسعى الناس يأخذون منه، حتى يقتتلوا، طمعا أن ينال كل منهم منه نصيبا وافرا.
قال الإمام ابن حجر في شرحه على الحديث: قوله [فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا] هذا يشعر بأن الأخذ منه ممكن، وعلى هذا فيجوز أن يكون دنانير ويجوز أن يكون قطعا ويجوز أن يكون تبرا.
يقول الإمام النووي رحمه الله – في معنى انحسار الفرات: ومعنى انحساره، انكشافه لذهاب مائه، وقد يكون بسبب تحول مجراه، فإن هذا الكنز أو هذا الجبل مطمور بالتراب، و هو غير معروف، فإذا ما تحول مجرى النهر لسبب من الأسباب، ومر قريباً من هذا الجبل كشفه، والله أعلم بالصواب. أهـ
ويقول الحافظ ابن حجر عن سبب تسميته بالكنز في رواية، وجبل في رواية: وسبب تسميته كنزاً باعتبار حاله قبل أن ينكشف، وتسميته جبلاً للإشارة إلى كثرته.
- زمن انحسار الكنز:
وقد اختلفت آراء العلماء حول زمن انحسار نهر الفرات على ثلاثة آراء:
الأول: يقع مع خروج النار، وهو ما ذهب إليه الإمام البخاري، إذ أدخل الحديث في باب خروج النار، يقول الإمام ابن حجر:
والذي يظهر أن النهي عن أخذه لما ينشأ عن أخذه من الفتنة والقتال عليه وقوله: “وإذا ظهر جبل من ذهب إلخ“ في مقام المنع، وإنما يتم ما زعم من الكساد أن لو اقتسمه الناس بينهم بالسوية ووسعهم كلهم فاستغنوا أجمعين فحينئذ تبطل الرغبة فيه، وأما إذا حواه قوم دون قوم فحرص من لم يحصل له منه شيء باق على حاله، ويحتمل أن تكون الحكمة في النهي عن الأخذ منه لكونه يقع في آخر الزمان عند الحشر الواقع في الدنيا وعند عدم الظهور أو قلته فلا ينتفع بما أخذ منه ولعل هذا هو السر في إدخال البخاري له في ترجمة خروج النار. أ.هـ
الثاني: أنه يحدث في زمن عيسى عليه السلام، وإليه ذهب الحليمي في المنهاج في شعب الإيمان يقول: “فيشبه أن يكون هذا الزمان الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المال يفيض فيه فلا يقبله أحد، و ذلك في زمان عيسى عليه السلام، و لعل سبب هذا الفيض العظيم ذلك الجبل مع ما يغنمه المسلمون من أموال المشركين.
الثالث: التوقف في تحديد الزمن، وهو ما ذهب إليه الإمام ابن حجر، ولكنه لا يمانع أن يكون الأمر كما ذكر البخاري أن يحدث الأمر عند المحشر، وربما كان في زمن ظهور المهدي.
يقول ابن حجر: ولا مانع أن يكون ذلك عند خروج النار للمحشر، وقد أخرج ابن ماجه عن ثوبان رفعه قال: “يقتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة.“ فذكر الحديث في المهدي فهذا إن كان المراد بالكنز فيه الكنز الذي في حديث الباب دل على أنه إنما يقع عند ظهور المهدي وذلك قبل نزول عيسى وقبل خروج النار جزما والله أعلم.
- حكمة النهي عن الأخذ من الكنز:
ويوضح الإمام ابن حجر الحكمة من النهي عن الأخذ من الكنز، فقال:
1- قال ابن التين: إنما نهى عن الأخذ منه لأنه للمسلمين فلا يؤخذ إلا بحقه، قال: ومن أخذه وكثر المال ندم لأخذه ما لا ينفعه، وإذا ظهر جبل من ذهب كسد الذهب ولم يرد.
قلت: وليس الذي قاله ببين.
2- والذي يظهر أن النهي عن أخذه لما ينشأ عن أخذه من الفتنة والقتال عليه وقوله: “وإذا ظهر جبل من ذهب إلخ“ في مقام المنع، وإنما يتم ما زعم من الكساد أن لو اقتسمه الناس بينهم بالسوية ووسعهم كلهم فاستغنوا أجمعين فحينئذ تبطل الرغبة فيه، وأما إذا حواه قوم دون قوم فحرص من لم يحصل له منه شيء باق على حاله.
3- ويحتمل أن تكون الحكمة في النهي عن الأخذ منه لكونه يقع في آخر الزمان عند الحشر الواقع في الدنيا وعند عدم الظهور أو قلته فلا ينتفع بما أخذ منه ولعل هذا هو السر في إدخال البخاري له في ترجمة خروج النار.
ثم ظهر لي رجحان الاحتمال الأول لأن مسلما أخرج هذا الحديث أيضا من طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ “يحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقتل عليه الناس، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو.“ وأخرج مسلما أيضا عن أبي بن كعب قال: “لا يزال الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا.“
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “يوشك أن يحسر الفرات عن جبل من ذهب فإذا سمع به الناس ساروا إليه، فيقول من عنده لئن تركنا الناس يأخذون منه ليذهبن به كله، قال فيقتتلون عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون.“ فبطل ما تخيله ابن التين، وتوجه التعقب عليه ووضح أن السبب في النهي عن الأخذ منه ما يترتب على طلب الأخذ منه من الاقتتال فضلا عن الأخذ.
4- قال الحليمي: لأنه لا يجري به مجرى المعدن، فإذا أخذه أحدهم ثم لم يجد من يخرج حق الله إليه لم يوفق بالبركة من الله تعالى فيه، فكان الانقباض عنه أولى.
والله أعلم
- د مسعود صبري