- السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سؤالي الى فضيلة الشيخ هو: إنني فتاة أبلغ من العمر 24 عاما، فلسطينية الجنسية ومقيمة في قطر وأحمل الوثيقة المصرية ومتعلمة. لقد تقدم لي الكثيرون لخطبتي، ولكن كانت وجهة نظر أهلي أنهم غير مناسبين لي إما لعدم لكمال تعليمهم أو أنه غير جنسيتي أو أنه لا يعمل في وظيفة جيدة.. ولكن منذ فترة قصيرة جدا تقدم لخطبتي شاب فلسطيني الأصل ويحمل الجواز الأردني وهو مقيم في قطر مع أخيه الأكبر. لقد تعرفت عليه من موقع الزواج عبر الإنترنت وكان جاد جدا واتفقنا على كل شي، وهو والحمد لله إنسان متعلم وذو خلق كريم ويصلي ويعرف الله ويعمل في إحدى الشركات الكبرى في قطر، ولكن للأسف والدي قد رفض هذا الزواج بحجة أنه أردني وأن أهله يعيشون بالأردن ولا نعرف عن أصلهم شيئا، وأنه من الممكن بعد عدة سنوات يقرر الرجوع إلى بلده الأردن وأذهب معه، وأنه من الممكن أن يفقد وظيفته بسهولة ومن ثم أهلي لا يقدرون على رؤيتي لأننا حملة وثائق ولا نستطيع السفر هناك.. وقال لي والدي أنه سأل أكثر من شخص ونصحوه بعدم تزويج البنات من حملة الوثائق إلى أردني لأنه هناك كثير من القصص الواقعية حدثت وحصل بينهم الطلاق معاذ الله، فلذلك والدي يخاف مما سمعه وينظر إلى المستقبل بنظره غير التي أنا أراها، ولكن أنا أريده وهو أيضا. وصدقني يا شيخنا الكريم أنه إنسان خلوق وطيب وجاد جدا، وتصرفاته معي كانت في حدود الاحترام والأدب ونحن بصراحة نريد بعضنا وأنا أريد العيش معه أينما كان، فأرجو منك مساعدتي في إيجاد الحل الصحيح، وجزاك الله كل خير على عملك. |
- الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخت السائلة:
أشعر معك بما تحملين من مشاعر هذا الشباب، وهي مشاعر نبيلة، وليس القصد منها إلا أن تكون في الإطار الشرعي، ومشكلتك أيتها السائلة هي إفراز لفهم الآباء فيما يخص زواج بناتهم، فجمهور الفقهاء اشترط الولي، لأنه أعرف الناس بمصلحتها، لا أن يقف في طريقها مادام قد تقدم الكفء لها.
وكثير من الناس لا يدرك أن الزواج هو بين الزوج والزوجة، وليس بين الولي والزوج، أو بين الأسرة والأسرة، ولكن وضع الولي من باب المحافظة على الفتاة، من أن تضل بهواها، فالحب يعمي عن المصلحة في كثير من الأحيان، أو قد يغرر الشاب الفتاة، ويوهمها، فإذا بها تندم أشد الندم، ولابد لها من الرجوع إلى أبيها، وولي أمرها، ولذا جعل الشرع الموافقة على الزواج إلى البنت أولا. ولا يجوز للوالد أن يجبرها على الزواج، مادامت قد بلغت سن الزواج، ولكن يجب رضا الوالد في هذا، وإلا كان الأمر فيه نوع من قطع صلة الرحم، فماذا لو تزوجته، وكان سببا في فصالك عن والديك، أو أن يأخذ الوالد موقفا منك طول الحياة.
وبعيدا عن خلاف الفقهاء في اشتراط الولي، وهل هو ركن من أركان العقد كما يرى جمهور الفقهاء، أو أنه ليس بركن، كما يرى الأحناف، أو أن توكل المرأة غير أبيها إن كان متعسفا، أو ترفع دعوى قضائية، لتثبت حقها، وتتزوج بمن رضيت به زوجا، فإن هناك مساحات من تطبيق الشرع لا يوقف عند النصوص الشرعية، ولكن يجب علينا أن نتفهم الواقع عند تطبيق هذه النصوص.
وما أراه لك أختي الفاضلة ما يلي:
- أن يفهم والدك أنه الحارس الأمين عليك فيما يخص أمورك، ولكن دون ضرر، وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقوه، فزوجوه، إلا تفعلوا، تكن فتنة في الأرض وفساد عريض.”
- أن يفهم الوالد حقيقة الزواج من كونه شركة بين الزوج والزوجة، وأنهما هما اللذان يتحملان عبء الحياة الزوجية، وأن البنت يجب أن تكون مقتنعة بمن ستتزوج، وألا يقف الوالد مانعا لها عن سعادتها، فالآباء يشقون ليسعد أبناؤهم، لا أن يكونوا سببا في شقائهم، ولو لم يقصدوا ذلك.
- أن اعتبار الفروق من التعليم والسن والجنسية وغيرها يجب أن تتم المراجعة بين الوالد وبين البنت، ولا بأس أيضا في ينظر رأي الأم في هذه المسألة، على أن الأمر في النهاية يجب أن يكون رأي الفتاة، مع شورى الأسرة لتساعدها على اتخاذ قرار حياتها.
- أن تنظري بعض الأقارب، وبعض الشيوخ ومن عرفوا بالحكمة أن يقنعوا الأب أن يوافق على هذا الزوج الكفء لك، وأن تنظري مواطن التأثير عليه، حتى يتم الفرح في وجود الأسرة كاملة، بدلا من أن يتم بعيدا عن أسرتك، فيقل فرحك، ويحرمون من فرحة ابنتهم، وهم الذين طالموا انتظروا هذا اليوم بفارغ الصبر.
- أن تحاولي كسب أكبر عدد من أفراد الأسرة حتى يكونوا معك، ويحاولوا التأثير على الوالد.
- تقربي إلى والدك، بالهدايا وغيرها من الوسائل، والتي قد يكون منها إظهار الحزن حتى يوافق على الزواج.
- الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى أن يفرج الكرب وأن يزيل الهم، وأن يقدر لك الخير.
- إذا رأيت بعد كل هذا تعسفا من الوالد، وأنك قد تضررت من رفضه، وأنه قد يؤثر على حياتك، فيمكن توكيل بعض الأقارب غير الوالد، من الجد أو العم وغيرهما من العصبات، مع في هذا من محاذير اجتماعية، وإن كنا لا نحبذ لك هذا، ولكن نقترحه كالكي هو آخر الداء.
- أوصيك بالجلوس مع نفسك، والتفكير في الأمر جيدا في كل أبعاده، من حيث الزوج الذي تتمنيه، ومن حيث موقف الأسرة، وحاولي أن تتجردي في التفكير، فكما ورد: “حبك الشيء يعمي ويصم”، يعني أن يكون هناك تفكير جاد واتخاذ قرار بعيدا عن الحب وحده.
- أكثري من الأعمال الصالحة، بغية أن يقدر الله تعالى لك الخير، فقد تقرب الذين آواهم المبيت في الغار إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة،فاستجاب دعاءهم.
أسأل الله تعالى أن يفرج كربك، وأن يزيل همك، وأن يقدر لك الخير حيث كان.
وأختم لك كلامي أن الخير فيما سيقدره الله تعالى لك، وتذكري قوله تعالى: {لِّكَيْلَا تَأْسَوْا۟ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا۟ بِمَآ ءَاتَىٰكُمْ}، وقد يظن الإنسان في الشيء الخير ويتمناه، ولكن الله تعالى يصرفه عنه، لعلمه سبحانه أن فيه شرا له.
ولا تنسنا من صالح دعائك.
والله أعلم
- د مسعود صبري