الطهارةالعبادةالفتاوى

معركة الختان: بين الفقهاء والأطباء

  • السؤال:
ما حكم الإسلام في  الختان، والذي  ثار فيه الجدل الدائم بين الأطباء والفقهاء؟

 

  • الجواب:

كلما أثير موضوع الختان، صار جدل كبير، وتقوم الدنيا ولا تقعد، وكأن الختان قضية من قضايا الساعة الكبرى التي يجب أن نترك كل شيء في سبيلها، وهذا لا يعني التقليل من شأن القضية، ولكن يجب أن توضع في موضعها، وأن تناقش وفق الرؤية الصحيحة لها، في سياقها الشرعي والاجتماعي والطبي.

 

ومسألة الختان من المسائل التي لها شقان: شق شرعي، وهو أساس في المسألة، وشق طبي، وهو شق مهم ومكمل وموضح عند التحقيق لوجهة النظر الشرعية، وذلك كما قال بعض العلماء: إن لله تعالى كتابين: الكتاب المنظور، والكتاب المقروء، والكتاب المنظور هو الكون بما فيه من علوم وحياة وغيرها، والكتاب المقروء، وهو كلام الله تعالى القرآن الكريم، ويستحيل – بداهة – أن يكون هناك تناقض بين كتابين مصدرهما من عند الله تعالى.

يضاف إلى هذا البعد الاجتماعي، وخاصة في المسائل غير المتفق عليها، أو المسائل التي تدور على حكم الجواز، فلا ينكر قوم على قوم الأخذ بهذه العادة أو تركها، مادام هذا يوافق المجتمع الذي يعيشون فيه، المهم أنه لا يجوز مخالفة أوامر الشرع الحكيم، وللناس أن تختار الأوفق لها، حسب ما يرى فقهاء كل مصر وعصر، وفق عملية الاجتهاد وإعماله بأدواته الشرعية.

والأساس في الحكم الشرعي على الشيء أن يكون بدليل شرعي واضح، فإذا انتفت صفة الوضوح، كان الحكم حسب الاجتهاد الذي يراه كل فريق.

 

  • وحين النظر إلى حكم الختان، نرى الفقهاء منقسمين في هذا إلى أقوال:

الأول: أن الختان سنة في حق الرجال والنساء.

الثاني: أن الختان واجب في حق الرجال والنساء.

الثالث: أن الختان واجب في حق الرجال، مكرمة للنساء.

الرابع: أن الختان لا حكم له، فلا هو واجب، ولا هو مستحب، وهو منقول عن الإمام الحسن البصري، حيث نقل عنه ابن قدامة قوله: ”إذا أسلم لا يبالي أن لا يختتن ويقول: أسلم الناس الأسود والأبيض لم يفتش أحد منهم ولم يختتنوا.” المغني لابن قدامة، ج1/63-64

ومن الأمور التي ذكرها الفقهاء أنه إذا خيف على الطفل من الختان، فلا يجب عليه، قال الإمام ابن مفلح من فقهاء الحنابلة: “وإن خاف على نفسه فقال أحمد لا بأس أن لا يختن، كذا قال أحمد وغيره.” انتهى. الفروع لابن مفلح، ج1/133

 كما أن من المقرر أن الفقهاء حين الحديث عن الختان، جعلوا ختان الرجل بخلاف ختان المرأة، مراعاة لطبيعة الجزء المأخوذ من كل منهما، قال الإمام النووي من فقهاء الشافعية: الواجب في ختان الرجل قطع الجلدة التي تغطي الحشفة بحيث تنكشف الحشفة كلها، فإن قطع بعضها وجب قطع الباقي ثانيا، صرح به إمام الحرمين وغيره، وحكى الرافعي عن ابن كج أنه قال: عندي أنه يكفي قطع شيء من القلفة وإن قل بشرط أن يستوعب القطع تدوير رأسها، والصحيح المشهور الذي قطع به الأصحاب في الطرق ما قدمناه أنه يجب قطع جميع ما يغطي الحشفة. والواجب في المرأة قطع ما ينطلق عليه الاسم من الجلدة التي كعرف الديك فوق مخرج البول، وصرح بذلك أصحابنا واتفقوا عليه. قالوا: ويستحب أن يقتصر في المرأة على شيء يسير ولا يبالغ في القطع. المجموع، ج 1/348-349

وهذا الكلام يوافق وجهة النظر الطبية، من أن ختان الرجل هو قطع جلدة زائدة عنه، أما الأخذ من المرأة، فإنه يكون من شيء من جسدها، ولذا نرى كثيرا من الأطباء يرفضون الختان للإناث.

والقول بأنه ليس هناك دليل على مشروعية الختان للإناث كلام تعوزه الصحة، غير أنه لا يمكن القول بوجوبه، ففي الحديث الصحيح: “إذا التقى الختانان، وجب الغسل”، وهذا الحديث يشير إلى أن النساء كن يختتن، ولكن ليس فيه ما يدل على الوجوب، ولا وجوب إلا أم عطية رضي الله عنها: {أن امرأة كانت تختن بالمدينة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: لا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل.}” فقد ذكره الإمام النووي الشافعي، وقال رواه أبو داود.

ونقل حكم أبي داود عليه، وقال: ولكن قال: ليس هو بالقوي. ومن المعلوم أن الشافعية هم الذين يقولون بوجوب الختان على الإناث، ومع هذا ينقل واحد من أكبر علمائهم أن الحديث فيه ليس بالقوي.

واستدل أيضا بأنه من فعل إبراهيم عليه السلام، وقد قال تعالى ”ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا”، ورد دار كلام كبير بين الفقهاء هل نتبع إبراهيم عليه السلام في كل ما فعل، أما ما ورد الأمر به في شرعنا، يعني أن هذا الدليل ليس متفقا عليه عند كل الفقهاء.

والعلة التي تجعل فقهاء الإسلام يجعلون من الختان مشروعا هو ما قاله الإمام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى:

”أن المقصود بختان الرجل تطهيره من النجاسة المحتقنة في القلفة، والمقصود من ختان المرأة تعديل شهوتها، فإنها إذا كانت قلفاء كانت مغتلمة شديدة الشهوة. ولهذا يقال في المشاتمة: يا ابن القلفاء، فإن القلفاء تتطلع إلى الرجال أكثر، ولهذا من الفواحش في نساء التتر، ونساء الإفرنج، ما لا يوجد في نساء المسلمين، وإذا حصل المبالغة في الختان ضعفت الشهوة، فلا يكمل مقصود الرجل، فإذا قطع من غير مبالغة حصل المقصود باعتدال.” انتهى الفتاوى الكبرى لابن تيمية، ج1/273-274

غير أن هذا تفسير وليس دليلا شرعيا.

وقد ضعف العلماء حديث: ”الختان سنة في الرجال، مكرمة في النساء.”

قال صاحب تلخيص الحبير: “رواه أحمد والبيهقي من حديث الحجاج بن أرطاة، عن أبي المليح بن أسامة، عن أبيه به، والحجاج مدلس وقد اضطرب فيه، فتارة رواه كذا، وتارة رواه بزيادة شداد بن أوس بعد والد أبي المليح، أخرجه ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم في العلل والطبراني في الكبير وتارة رواه عن مكحول، عن أبي أيوب أخرجه أحمد وذكره ابن أبي حاتم في العلل، وحكى عن أبيه أنه خطأ من حجاج، أو من الراوي عنه، عبد الواحد بن زياد، وقال البيهقي هو ضعيف منقطع، وقال ابن عبد البر في التمهيد هذا الحديث يدور على حجاج بن أرطاة، وليس بمن يحتج به. قلت: وله طريق أخرى من غير رواية حجاج، فقد رواه الطبراني في الكبير والبيهقي من حديث ابن عباس مرفوعا، وضعفه البيهقي في السنن، وقال في المعرفة: لا يصح رفعه، وهو من رواية الوليد، عن ابن ثوبان، عن ابن عجلان، عن عكرمة، عنه، ورواته موثقون إلا أن فيه تدليسا”.  التخليص الحبير لأحمد بن علي الكناني، ج3/153-154

 

والذي يبدو لنا في مسألة الختان ما يلي:

  • أنه لا يمكن القول بأن الختان واجب، لأنه لا يفرض على الأمة إلا ما كان بدليل يفهم منه الوجوب، وكل الأدلة الواردة لا تحتمل الوجوب.

  • أن الفقهاء كانوا يميزون في الختان بين الرجال والنساء، ويدركون خطورة ختان الإناث، وأنه يجب فيه أن يحصل – إن حصل – بنوع من الاعتدال، حتى لا تضر الفتاة.

  • أن الختان إذا كان ضارا، فإنه لا يجب، ولا يعمل، لا على الرجال ولا على النساء، حسب ما قال الإمام أحمد والحسن البصري وغيرهما.

  • أنه يجمع الجمع بين الحوادث التي ترى الختان موجودا، وبين عدم وجوده، وكونه مكرمة، أن ختان الإناث يرجع فيه للعرف والعادة، وأن ينظر فيه للبيئة، فالبيئة الحارة غير البيئة الباردة، وقد فطن الإمام ابن الحاج في كتابه المدخل إلى هذا المعنى، فقال: ”واختلف في حقهن هل يخفضن مطلقا أو يفرق بين أهل المشرق وأهل المغرب، فأهل المشرق يؤمرون به لوجود الفضلة عندهن من أصل الخلقة، وأهل المغرب لا يؤمرون به لعدمها عندهن.” (المدخل لابن الحاج، ج3/2.)
    وهذا يعني أن الختان إن كان فيه ضرر، فلا يعمل به، وأنه حسب الوقائع التي رويت، أنه قد يكون مفيدا، حتى يهذب شهوة المرأة، فلا بأس بعمله آنذاك، وأنه يجب أن يكون بإشراف طبي، حتى يتم وفق الصورة الصحيحة التي أوضحها فقهاؤنا في الحديث عنه.

د مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى