القرآن والسنة

هل تحقق نصر الله والفتح؟

  • السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم،

هل صحيح أن النصر والفتح المذكورين في قوله تعالى: “إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ” لم يأتيا بعد، وأن النصر قادم قريبا إن شاء الله تعالى؟

 

  • الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فقوله تعالى: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ} المقصود منه أمران:

الأول: الإخبار بأن أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اقترب.
الثاني: البشارة بنصر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ودعوته.

ويدل على الأول ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال لم يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر إنه ممن قد علمتم فدعاهم ذات يوم فأدخلني معهم فما رأيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليريهم فقال: ما تقولون في قول الله عز وجل “إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ“؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا وسكت بعضهم فلم يقل شيئا فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا. فقال: ما تقول؟ فقلت هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له قال “إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ“ فذلك علامة أجلك قال عمر بن الخطاب لا أعلم منها إلا ما تقول.

وأخرج النسائي والبيهقي واللفظ له عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت ”إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ“ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة وقال: [إنه قد نعيت إلي نفسي] فبكت ثم ضحكت وقالت أخبرني أنه نعيت إليه نفسه فبكيت ثم قال اصبري فإنك أول أهلي لحاقا بي فضحكت. انتهى

  • أما الفتح فهو فتح مكة، قال الشيخ السعدي في تفسيره:

في هذه السورة الكريمة، بشارة وأمر لرسوله عند حصولها، وإشارة وتنبيه على ما يترتب على ذلك.

فالبشارة هي البشارة بنصر الله لرسوله، وفتحه مكة، ودخول الناس في دين الله أفواجًا، بحيث يكون كثير منهم من أهله وأنصاره، بعد أن كانوا من أعدائه، وقد وقع هذا المبشر به.

وأما الأمر بعد حصول النصر والفتح، فأمر رسوله أن يشكر ربه على ذلك، ويسبح بحمده ويستغفره، وأما الإشارة، فإن في ذلك إشارتين: إشارة لأن يستمر النصر لهذا الدين، ويزداد عند حصول التسبيح بحمد الله واستغفاره من رسوله، فإن هذا من الشكر، والله يقول: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وقد وجد ذلك في زمن الخلفاء الراشدين وبعدهم في هذه الأمة لم يزل نصر الله مستمرًا، حتى وصل الإسلام إلى ما لم يصل إليه دين من الأديان، ودخل فيه، ما لم يدخل في غيره، حتى حدث من الأمة من مخالفة أمر الله ما حدث، فابتلاهم الله بتفرق الكلمة، وتشتت الأمر، فحصل ما حصل.

[ومع هذا] فلهذه الأمة، وهذا الدين، من رحمة الله ولطفه، ما لا يخطر بالبال، أو يدور في الخيال.

وأما الإشارة الثانية، فهي الإشارة إلى أن أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرب ودنا، ووجه ذلك أن عمره عمر فاضل أقسم الله به. انتهى

وعلى هذا، فإن السورة تحمل بشارتين، الأولى نصر الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ولهذا الدين، والثانية: إخبار الرسول باقتراب أجله. انتهى

 

  • وأما معنى النصر الموجود في الآية، فقد تنوعت آراء المفسرين فيه، على النحو التالي:

1-قال الإمام الطبري: المراد بهذا النصر نصر الرسول على قريش.

2- عن الحسن ومجاهد وغيرهما: نصره على من قاتله من الكفار; فإن عاقبة النصر كانت له. وأما الفتح فهو فتح مكة.

3- وقال ابن عباس وسعيد بن جبير: هو فتح المدائن والقصور.

4- وقيل: فتح سائر البلاد.

5- وقيل: ما فتحه عليه من العلوم. و“إذا“ بمعنى قد; أي قد جاء نصر الله; لأن نزولها بعد الفتح. ويمكن أن يكون معناه: إذا يجيئك.

وهذه الآراء كلها نقلها الإمام القرطبي في تفسيره.

وعلى هذا، فالقول بأن نصر الله لم يأت بعد، قول يحتاج إلى دليل، فإن الله تعالى قد نصر رسوله صلى الله عليه وسلم على أعدائه، وأتم له الدين، ومع تمام الدين كان الإنباء باقتراب أجل النبي صلى الله عليه وسلم.

أما نصر الله لهذه الأمة، فهو غير موقوف على هذه الآية، بل له أدلة كثيرة، كقوله تعالى: {هُوَ ٱلَّذِىٓ أَرْسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ} (التوبة: 33).

وقوله تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِـُٔوا۟ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ.} (الصف: 8).

{يُرِيدُونَ أَن يُطْفِـُٔوا۟ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَيَأْبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ} (التوبة: 32).

وقوله تعالى: {كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِىٓ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌۭ}،

وقوله تعالى: {وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمْ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِ} وغيرها من الآيات.

وكذلك الأحاديث النبوية كقوله صلى الله عليه وسلم: [إن الله زوى لي الأرض – أي جمعها وضمها – فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها…] وغيره من أحاديث البشارة.

والله أعلم

 

  • د مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى