العاداتالفتاوى

سوء الظن بالناس

  • السؤال:
السلام عليكم.

مشكلتي يمكن معقدة قليلا لكن أنا مؤمنة بربي كثيرا وممكن كلامكم ورأيكم يريحني..

المشكلة أن أمي كانت تحب رجلا من زمان غير أبي عندما كنا صغار. وبعض الناس اتهموا أخي الصغير من ذلك الرجل ولكن ايماني يجعلني أقول لا ديننا الحنيف أمرنا أن لا نظن بالسؤ لو شو ما كان لو ظنينا أو تخيلنا أن يكون شبه بين أخي وبين ذلك الرجل فاماني يمنعني أن أفكر بالسؤ المشكلة أن ترسبت داخلي كرهي لذلك الشخص الذي كانت تحبه أمي وأكره كل من يشبهه، فعندما يتقدم أحد العرسان أقارن اذا يشبه ذلك الشخص وأقول أولادي يمكن لأن يشبه ذلك الشخص الذي أكرهه ممكن بكرا أشوف ابني يشبهه.

 

  • الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

الأخت الفاضلة:

الإسلام يبني أحكامه على اليقين، وليس على الشك والظن، وفي أمر الزنى شدد على هذا الأمر تشديدا قاسيا، فلم يبح اتهام الناس بهذه الجريمة إلا برؤية أربعة شهود رأوا الزاني والزانية يفعلون الزنى، لا تقبيلا ولا معانقة، بل كما يأتي الرجل زوجته.

وما دام الأمر كله إشاعات، فلا يجوز لك اتهام أمك، وليس من الحق والصواب أن ترفضي كل من يجيء إليك، بحجة أنه شبيه هذا الرجل، وكأن الرجال كلهم شبه هذا الرجل.

إن هذا أشبه ما يكون بالوسوسة التي يجب أن تطرديها عنك.
والمطلوب منك أن تتركي هذا الأمر، ولا تفكري فيه، وأن تختاري من الخطاب من أكثر تدينا، وأصدق دينا، وأن تتركي أمر أمك لله، فهو وحده الذي يحاسب العباد.

وما لم يقم دليل على الاتهام، فإنه لا يجوز الاتهام، وكل متهم لأمك، فإن الله تعالى سيحاسبه.

ومن المعلوم أن مقاصد الشريعة الإسلامية الحفاظ على العرض، وقد جعلها العلماء خمسة، هي مقاصد التشريع الإسلامي كله، فكأن الحفاظ على العرض خمس أهداف التشريع الإسلامي، فلنتق الله تعالى، ولا نتهم الناس بالظنة.
وفي التعامل مع الناس بسوء الظن يقول الدكتور القرضاوي:
من أعظم شعب الإيمان حسن الظن بالله، وحسن الظن بالناس، وفي مقابلهما: سوء الظن بالله، وسوء الظن بعباد الله.

إن سوء الظن من خصال الشر التي حذر منها القرآن والسنة، فالأصل حمل المسلم على الصلاح، وأن لا تظن به إلا خيرا، وأن تحمل ما يصدر منه على أحسن الوجوه، وإن بدا ضعفها، تغليبا لجانب الخير على جانب الشر.

والله تعالى يقول: {يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱجْتَنِبُوا۟ كَثِيرًۭا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌۭ} (سورة الحجرات: 12)
والمراد به: ظن السوء الذي لم يقم عليه دليل حاسم.

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث..”

والمفروض في المسلم إذا سمع شرًا عن أخيه أن يطرد عن نفسه تصور أي سوء عنه، وأن لا يظن به إلا خيرا، كما قال تعالى في سياق حديث الإفك: {لَّوْلَآ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًۭا وَقَالُوا۟ هَـٰذَآ إِفْكٌۭ مُّبِينٌۭ} (سورة النور:12).

صحيح إن سوء الظن من الأشياء التي لا يكاد يسلم منها أحد، كما روي ذلك في حديث ضعيف، ولكن يقويه ما ثبت في الصحيح، قول النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه الذين رأوه في الاعتكاف يكلم امرأة في المسجد، فأسرعا الخطا، فقال: “على رسلكما إنها صفية بنت حيي (زوجته).” فقالا: وهل نظن بك إلا خيرًا يا رسول الله؟ قال: “إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرًا”.

ومع هذا ينبغي للمؤمن أن لا يستسلم لوسوسة الشيطان في إساءة الظن بالمسلمين، بل عليه أن يلتمس لهم المعاذير والمخارج فيما يراهم أخطأوا فيه، بدل أن يتطلب لهم العثرات والعيوب.

فإن من أبغض الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبعدهم منه مجالس يوم القيامة الباغين للبرآء العثرات.

فإذا كان العمل الصادر عن المسلم يحتمل وجها يكون فيه خيرًا، وعشرين وجهًا لا يكون فيها إلا شرًا، فينبغي حمل هذا العمل على وجه الخير الممكن والمحتمل.

وإذا لم يجد وجهًا واحدًا للخير يحمله عليه ـ فيجمل به أن يتريث، ولا يستعجل في الاتهام، فقد يبدو له شيء عن قريب، وما أصدق ما قاله الشاعر هنا:

تأنّ ولا تعجل بلومك صاحبًا لعل له عذرًا وأنت تلوم!

ومما يجب التحذير منه: ما يتصل باتهام النيات، والحكم على السرائر، وإنما علمها عند الله، الذي لا تخفى عليه خافية، ولا يغيب عنه سر ولا علانية.

 

  • ويقول الشيخ القرضاوي أيضا في فتوى أخرى حول قذف المحصنة:

من أعظم المحرمات في الإسلام، ومن أكبر الكبائر عند الله: رمي المحصنات الغافلات المؤمنات بالزنى وارتكاب الفاحشة، ظلما وزورا، لما في ذلك من تلويث سمعة الإنسان البرئ، وما فيه من تجريء الناس على المعصية وإشاعة الفاحشة في المجتمع المؤمن ولا سيما إذا كان رامي المحصنة يعلم أنه كاذب مزور فيما يقول، وليس مبنيا على سوء ظن، أو نحو ذلك.

والرسول صلى الله عليه وسلم اعتبر رمي المحصنات الغافلات المؤمنات: من (الموبقات السبع) التي حذر الأمة منها، و(الموبقات) أي المهلكات، فهي مهلكات للفرد، ومهلكات للجماعة، مهلكات في الدنيا، ومهلكات في الآخرة.

يقول عليه الصلاة والسلام: “اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: “الشرك بالله تعالى، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، والتولي يوم الزحف.”

وفي القرآن الكريم: {إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة. يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ. يَوْمَئِذٍۢ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ} النور: 23-25

وقد جاءت هذه الآيات –المتضمنة لهذا الوعيد الهائل باللعنة في الدنيا والآخرة والعذاب العظيم عند الله، وشهادة جوارحهم عليهم، في سياق (حديث الإفك) الذي افتراه المفترون على الصديقة بنت الصديق، عائشة أم المؤمنين، وأحب إنسانة إليه بعد خديجة، وقد برأها الله جل شأنه من فوق سبع سموات، ونزل فيها قرآن يتلى إلى ما شاء الله: {لَّوْلَآ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًۭا وَقَالُوا۟ هَـٰذَآ إِفْكٌۭ مُّبِينٌۭ. لَّوْلَا جَآءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا۟ بِٱلشُّهَدَآءِ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَـٰذِبُونَ}النور:12-13 إلى آخر الآيات من سور النور.

وقد فرض الله عقوبة، -بل عقوبات ثلاث- للقاذف: عقوبة بدنية، وهي: الجلد، وعقوبة أدبية، هي: إسقاط الشهادة، وعقوبة دينية وهي: رميه بالفسق.. إلا أن يتوب ويصلح ما أفسده. قال تعالى: {وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا۟ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَـٰنِينَ جَلْدَةًۭ وَلَا تَقْبَلُوا۟ لَهُمْ شَهَـٰدَةً أَبَدًۭا ۚ وَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ. إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُوا۟ مِنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌۭ} [النور: 4-5]

والله أعلم

  • د مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى