- السؤال:
صليت وراء أحد الأئمة ولكنني شككت في صلاته بسبب سرعته في الصلاة، هل يجب علي إعادة الصلاة في هذه الحالة؟ |
- الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالحد الذي تبطل معه الصلاة من السرعة والحركة، هو ما يظن أنه ليس بصلاة.
وقولك إن الإمام يصلى بسرعة لا يعرف قدر السرعة، فربما كنت تصلي بتؤدة، وهو أمر محمود، غير أن الإمام لا يشق على المؤمنين في الصلاة، فليس ذلك بالسرعة التي تخرج الصلاة عن حدها ولا عن خشوعها.
وإن كان الخشوع مطلوبا في الصلاة، وقد جعله البعض ركنا من أركانها، وتبطل صلاة المصلي إن فقد الخشوع، ولكنه ركن مختلف فيه، غير أن السرعة في نظر السائل لا يترتب عليها بالقطع عدم الخشوع، فربما سبح المرء مرة واحدة كان خاشعا فيها، فتصح معه الصلاة، وتكون أقرب للقبول.
وما تجدر الإشارة إليه أن الصلاة بحركاتها وسكناتها هي من أيسر الأعمال، ويستطيع الإنسان أن يكون فيها خاشعا مع عدم الإطالة، وقد طلب الله تعالى من المؤمنين الخشوع في الصلاة، ولم يطلب منهم الإطالة، فقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ. ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلَاتِهِمْ خَـٰشِعُونَ}. بل كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من يخفف الصلاة حتى يدفع عن نفسه الوسوسة في الصلاة.
فعن عمار بن ياسر أنه صلى ركعتين فخففهما فقال له عبد الرحمن بن الحارث: ”يا أبا اليقظان أراك خففتهما” فقال: ”إني بادرت بهما الوسواس وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [إن الرجل ليصلي الصلاة ولعله لا يكون له منها إلا عشرها أو تسعها أو ثمنها أو سبعها أو سدسها حتى أتى على العدد.]”
والخشوع في الصلاة يتحقق بخشوع القلب وحضوره مع الله تعالى في أداء الصلاة، مع عدم الإكثار من الحركة، وإن كان وجود الحركة ليس دليلا على عدم الخشوع في الصلاة، إن كانت الحركة قليلة.
فقد أخرج البيهقي من حديث عمر بن حريث قال: [كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما مس لحيته وهو يصلي.]
وفي الكامل لابن عدي من حديث ابن عمر: [أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ربما يضع يده على لحيته في الصلاة من غير عبث].
ولقد ندب الشرع إذا صلى الإنسان إماما أن يخفف في صلاته، تخفيفا لا يخل بالصلاة، ولا يخرجها عن الحد المطلوب فيها، ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم وذا الحاجة، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء].
وجاء في حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: [جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان، مما يطيل بنا، قال: فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ، فقال: يا أيها الناس، إن منكم منفرين، فأيكم أم الناس فليوجز، فإن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة].
والتخفيف والإطالة أمران نسبيان، فما قد يكون طويلا يكون خفيفا عند قوم، والعكس، ولذا قال الفقهاء: إنه إذا علم من المأمومين: أنهم يؤثرون التطويل طول، كما إذا اجتمع قوم لقيام الليل. فإن ذلك – وإن شق عليهم – فقد آثروه ودخلوا عليه.
وقال بعض الفقهاء: إنه لا يزيد الإمام على ثلاث تسبيحات في الركوع والسجود، وإن كان المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من هذا، وفسر العلماء ذلك بأن الصحابة كانوا يحبون الإطالة في الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم. وأقل الخشوع في الصلاة أن يسبح الإنسان تسبيحة في ركوعه وسجوده.
وعلى الإمام أن يجمع بين التخفيف والإتمام، لأن هذا هو شأن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، والدليل على ذلك حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: [ما صليت خلف إمام قط أخف صلاة. ولا أتم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.]
وعن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي البصري – قال: [جاءنا مالك بن الحويرث في مسجدنا هذا، فقال: إني لأصلي بكم، وما أريد الصلاة، أصلي كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فقلت لأبي قلابة: كيف كان يصلي؟ فقال: مثل صلاة شيخنا هذا، وكان يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض].
وعلى كل، فالمطلوب من الإمام إتمام الصلاة مع التخفيف، إلا مع قوم يحبون التطويل، فيطيل بهم، لرغبتهم في هذا، غير أنه لا يسرع في الصلاة بالحد الذي لا يستشعر المصلون أنهم في صلاة. وعلى من صلى وحده أن يطيل كيف يشاء، وشأن صلاة الجماعة غير شأن صلاة الفرد.
والله أعلم
- د مسعود صبري