- السؤال:
تناقلت وسائل الإعلام أن إماما تركيا، ابتكر وسيلة جديدة لخطبة الجمعة، بحيث يخطب هو في المسجد، ويبث الخطبة إلى (350) مسجدا، ويقوم أئمة المساجد بصلاة الجمعة في مساجدهم، وعلل هذا بأنه نوع من الاستفادة بالعلم الحديث، وإثبات أن الإسلام لا يتعارض مع وسائل العلم الحديث، بل يستخدمها في نشر الدعوة. فما رأي السادة المشايخ في هذه الوسيلة؟ |
- الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
خطبة الجمعة من العبادات المشروعة، التي تناقتلها الأمة عن النبي صلى الله عليه وسلم سلفا عن خلف، والمسلمون يؤدونها كما كانت منذ العصر الأول، وإن كانت الصلاة مأخوذة هيئة وشكلا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله صلى الله عليه وسلم: ”صلوا كما رأيتموني أصلي.”
وكانت الخطبة نوعا من العبادة، فيجب الوقوف عند الهيئة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قياسا على الصلاة، لأن كليهما عبادة، و الأصل في العبادات التوقف كما اتفق على ذلك جمهور الأصوليين.
وعند حديث الفقهاء عن خطبة الجمعة وعددها قالوا: يشترط حضور أربعين، وقيل غير هذا، مع الإمام. وهذا الحضور الذي اشترطه الفقهاء بين الإمام وصلاة الجمعة لا ينطبق على من يخطب الناس من خلال جهاز كمبيوتر، فلا يسمى هذا حضورا. ولا يقال لمن يشاهد مبارة كرة قدم وما شابهها من بيته، أو من غير وجود حقيقي في المكان أنه حضر، ولك يقال:شاهد،وفرق بين المشاهدة والحضور.
كما أنه بالنظر إلى علة استعمال هذه الوسيلة، وهي أن الإسلام ليس ضد العلم الحديث، فهل أثبت أحد من العالمين أن الإسلام ضد العلم الحديث، حتى نخترع في ديننا، ما نثبت به خلاف المدعى عليه؟
وهل العلم الحديث حجة على الإسلام، حتى نطوع عباداتنا له؟!!
إن الله تعالى له حق العبادة علينا، وما دمنا نسلم أن الله تعالى له هذا الحق، فلله أن يتعبدنا بما يشاء، لأنه حق خالص له.
كما أن من فلسفة خطبة الجمعة في الإسلام – بجوار كونها تذكر وتزكي النفوس – فهي تعالج قضايا في حياة الناس، وترشدهم للحياة الفاضلة في ظل رؤية من شرع الله تعالى، والاختلاف بين الناس في الاهتمام والقضايا والمشكلات أمر مسلم به، فكيف توحد خطبة واحدة لملايين الناس؟
ربما يمكن ذلك في درس علم، أو في مؤتمر يبث للمسلمين حتى يستفيدوا به، أو بث ندوة شرعية أو علمية، من باب التثقيف ونشر الوعي في المجتمع، لكن لا يتعدى إلى عبادة مثل خطبة الجمعة.
وقد يحمد التفكير في مثل هذه الوسيلة، ولكن نستفيد منها في النطاق الواسع من حياة المسلمين، مع بقاء أصول الدين من العبادات المشروعة كما وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة.
ومن صلى الجمعة بالطريقة المذكورة في السؤال، بحيث يكون الإمام في مكان، والمأمومون في مكان آخر، بطلت جمعته، ولم تصح، إلا في المسجد الذي وجد فيه الإمام مع المأمومين.
والله أعلم
- د مسعود صبري