السياسةالصلاةالعبادةالفتاوى

استخدام المساجد في الدعاية الانتخابية

  • السؤال:
نرى في الانتخابات قيام بعض المرشحين باستخدام المساجد للدعاية الانتخابية، حيث إن المسجد له تأثير على الناس، فهل يجوز استخدام المسجد في مثل هذه الدعاية الانتخابية؟

 

  • الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فاستخدام المساجد للدعاية الانتخابية إن كانت من قبل الأئمة لحث الناس على الإيجابية والمبادرة وإرشادهم إلى منهج الإسلام في انتقاء من يمثل الأمة فلا باس به. أما إن كان استخدم المسجد للدعوة لترشيح شخص بعينه، فينهى عنه، لما قد يترتب على ذلك من ضرر.

فللمسجد في الإسلام وظائف متعددة، أولها أنه مكان عبادة، كما قال تعالى:
﴿فِى بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُۥ يُسَبِّحُ لَهُۥ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلْـَٔاصَالِ. رِجَالٌۭ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَـٰرَةٌۭ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًۭا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلْأَبْصَـٰرُ. لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا۟ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ﴾

و لحديث سليمان بن بريدة، عن أبيه؛ أن رجلا نشد في المسجد. فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا وجدت. إنما بنيت المساجد لما بنيت.” قال الإمام النووي: معناه لذكر الله تعالى والصلاة والعلم والمذاكرة في الخير، ونحوها.

  • غير أن هذا لا يمنع أن يكون للمسجد أدوار أخرى، فقد وردت أحاديث كثيرة تدل على إباحة غير العبادة المحضة، مثل:

الاستلقاء والنوم، والأكل والشرب، والفصل بين الخصوم، ولعب الأحباش برماحهم، وجمع الصدقات، وسداد الديون، وقد استحب عدد من الفقهاء عقد النكاح في المسجد، وغيرها من الأعمال المشروعة. وهذا يعني عدم المنع الكامل لغير أعمال العبادة بمعناها الخاص، ولا يعني هذا إباحة كل فعل في المسجد، بل ضابط الحكم هنا ما كان مباحا ولا يتعارض مع مكانة المسجد، أو ما كان فيه مصلحة للناس والدين.

أما فيما يخص أعمال السياسية والقضاء، فلا بأس بفصل النزاع والحكم بين الناس في المسجد.

وفي إحدى روايات حديث مسلم عند غيره: ”إنما بنيت المساجد لذكر الله والحكم.” وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحبس المشرك في المسجد، وأجاز الفقهاء الأمر بالحبس والغرامة على من وجبت عليه.

كما كان أمراء المؤمنين يجمع الناس في المسجد، ويخطبهم، وربما جادلوه في المسجد..

وفي خطبة أبي بكر رضي الله عنه: ”أيها الناس، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني.” رواه ابن إسحاق في السيرة النبوية، وقال ابن كثير: صحيح الإسناد.

   وفي المسجد قال عمر: “أيها الناس، من رأى منكم في اعوجاجًا فليقومني”، فرد عليه أحد المصلين: “والله لو رأينا فيك اعوجاجًا لقومناه بحد سيوفينا!” فيرد عليه عمر قائلاً: “الحمد لله الذي جعل في رعية عمر من يقوم اعوجاجه بحد سيفه!”

وكان هذا هو هدي الخلفاء الراشدين ومن بعدهم من خلفاء المسلمين، غير أنه يلاحظ أنهم كانوا هم الحكام، بل من السنة أن يصلي الخليفة أو الأمير بالناس، لأنه ليس في صلاته مدعاة لشيء شخصي، فهو حاكم المسلمين وإمامهم.

  •  أما بخصوص الانتخابات واستخدام المساجد في الدعاية الانتخابية،

فإن هذه المسألة من الأمور الحادثة، حيث كان الناس يتحدثون في المساجد عمن سيكون خليفة لهم، وقد يدور حوار بين الصحابة ومن بعدهم في هذا داخل المسجد، غير أنه في الفترة التي كانت الخلافة فيها بالترشيح لم يكن المرشح للخلافة يستخدم المسجد كمكان للدعاية الانتخابية، وهذا يعني أنه يجب النظر إلى هذه المسألة في ضوء الاعتبارات الحديثة، مع مراعاة الضوابط العامة للمسجد حسب ما جاء في النصوص الشرعية.

والمنهي عنه باتفاق بين الفقهاء هو الحديث الخاص بالدنيا من غير المباحات، ومن ذلك ما روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”يكون في آخر الزمان قوم يجلسون في المساجد إمامهم الدنيا لا تجالسوهم فليس لله فيهم حاجة.”

وما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ”لا تقوم الساعة حتى يجلس الناس في المساجد ليس فيهم مؤمن حديثهم فيها الدنيا.”  وورد عن الحسن قوله: سيأتي على الناس زمان يجلسون في المساجد حلقا حلقا حديثهم الدنيا. لا تجالسوهم فإن الله قد تركهم من يده.

وفي استخدام المسجد للدعاية الانتخابية مصلحة ومفسدة، فالمصلحة هي اتجاه الناس للمساجد، واعتبارها مرجعية إسلامية لكل مرشح، يسعى لتأييد رواد المساجد له، وأن المساجد هي المحرك للمسلمين، وفي ذلك إعلاء لشأنها ورفع لمكانتها عند الناس.

أما المفسدة، فهي سوء استخدام المساجد في المنافسة بين المرشحين، وغش الشعب بادعاء التدين وقيام بعض ممن يصحبون المرشح باستخدام الخطاب الديني كمرجح من المرجحات لكي يعطوه أصواتهم، فيكون الغرض هو كسب الأصوات بعيدا عن مضمون البرنامج الإصلاحي الذي يقدمه للشعب، بل يجعل الخطاب الديني هو السبب في ترشيحه وليس برنامجه للإصلاح وما يمكن أن يقدمه للناس جميعا من الأمانة على دينهم، وتحقيق مصالحهم الدنيوية.

 

  • ويجب التفريق في الحديث عن الانتخابات في المسجد بين أمرين:

الأول: قيام الأئمة والخطباء بالحث عن ترشيح الأصلح للأمة، والأكفأ لها، ومن عرف عنه القوة فيما سيقوم به من حكم البلاد، والأمانة في عمله، كما قال تعالى على لسان بنت الرجل الصالح شعيب: ”إن خير من استأجرت القوي الأمين”، فمثل  هذه الإرشادات العامة من خلال الدروس وخطب الجمعة لا بأس بها، ومستند ذلك أن الكلام المباح في المسجد لا شيء فيه، لحديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: ”كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقوم من مصلاه الذي صلى فيه الصبح حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت قام”، قال: ”وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم.” رواه مسلم، فكان الكلام للمصلحة أولى، بل قد يصل إلى حد الوجوب، لأن رسالة المسجد ليست منفصلة عن المجتمع.

ثانيا: دخول المرشح -أو النائب عنه- المسجد ومحاولة كسبه الناس، واتخاذ المسجد تكأة لذلك، فينهى عنه شرعا، حتى لا يستفيد من ذلك الصالح والطالح، وحتى يمنع المدعون عن الظهور بمظهر الصالحين، وبعضهم غير ذلك، وهو أيضا من باب سد الذرائع، ودفع الضرر عن الأمة، استنادا لقوله صلى الله عليه وسلم: ”لا ضرر ولا ضرار”.

وإن كان في المسألة مفسدة ومصلحة، قدم درء المفسدة على المصلحة، كما هو مقرر عند علماء الأصول: “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح”، وإن كان من المرشحين من هو صادق في استخدام المسجد دون ادعاء أو كذب، غير أن هذا يعطي الفرصة لغيره لسوء استخدام المساجد، فكان الأولى الحكم بالنهي عن الدعوة لترشيح فلان وترك فلان، وما يتبع ذلك من الغيبة وغيرها. أما الحث العام والإرشاد الجماهيري، فهذه مهمة الخطباء والوعاظ دون تحديد أحد بعينه.

 

  • د مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى