الحجالعبادةالفتاوى

منع فتيات الغرب من الحج

  • السؤال:

طالعتنا الصحف برأي من يرى منع الفتيات المسلمات حديثا تأشيرات للحج، مما تسبب في كثير من المشاكل، والتي من أهمها حرمان الفتيات المسلمات الجديدات من الحج، مع محاولة البعض تشويه صورة الإسلام خاصة لهؤلاء المسلمات الجديدات، فهل يجوز منع فتيات الغرب المسلمات من الحج؟

 

  • الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

  فإن كان الحكم الشرعي في مسألة حج المرأة بلا محرم من الأمور التي اختلف فيها الفقهاء، فإن ترجيح رأي الجواز في المسألة المسئول عنها هو الأولى أن نأخذ به، نظرا لطبيعة الحالة المذكورة.

تعتبر عملية الإفتاء من أصعب العمليات العقلية التي تحتاج إلى جهد عقلي كبير، بالإضافة إلى استحضار النصوص الشرعية من القرآن والسنة، واستجلابا للأدلة الشرعية الأخرى، وهي أدلة الاجتهاد من الإجماع والقياس والاستصحاب والمصالح المرسلة، وشرع من قبلنا، وقول الصحابي والعرف، واستحضار مقاصد الشريعة، مع الانتباه لمآلات الفتاوى وما يترتب عليها من أمور، بالإضافة إلى تحقيق شرع الله تعالى المبني على مصلحة العباد، وتحقيق وحدانيته سبحانه وتعالى في كونه.

ويعتبر الفقه الإسلامي هو المادة التي يستند إليها المفتي في فتواه، وفرق كبير بين الحكم الشرعي، وبين الفتوى، فالأحكام تأخذ في كثير من الأحيان شكلا عاما، بينما تمثل الفتوى خصوصية، ولا تعني الخصوصية أن تكون الفتوى خاصة بشخص واحد دائما، ولكنها قد تختص أيضا بجماعة دون أخرى، وقد تختص بحالة دون حالة، وهذا التفريق يجب أن يكون مستحضرا في ذهن المفتي حين تعرض عليه الفتوى، مع أن في إدراك المفتي للواقع الذي يوقع فيه الفتوى من اللوازم التي يجب ألا تغيب عن ذهنه، وإلا فهو يخرج فتواه عن كونها فتوى إلى أنه يستظهر حكما شرعيا مسطرا في الكتب، وساعتها يخرج كلامه عن كينونة الفتوى إلى الإدلاء بالآراء الفقهية في المسألة.

وكثيرا ما نطالع فتاوى لعدد من الشيوخ يغيب عن أذهانهم ما قاله علماؤنا من السلف فيما يجب على المفتي حين خروج فتواه، فالوقوف عند رأي واحد والتشدد له وعدم انفتاح العقل على الآراء الأخرى  يؤدي إلى الوقوف بشكل قد لا يكون مقبولا أحيانا، ولعل النظر إلى ما كتبه الإمام ابن القيم في كتابه: ”إعلام الموقعين عن رب العالمين” من أهم ما يجب أن يراجعه المفتي بشكل مستمر، حتى يصبح ملكة فيه.

وقد طالعتنا الصحف ووسائل الإعلام برفض منح بعض الفتيات المسلمات حديثا تأشيرة الحج، التزاما بما ذهب إليه الإمام أحمد والحنفية من اشتراط وجود محرم مع المرأة في الحج.

 

  • وقبل التعقيب على هذا الحدث، أنقل أولا رأي الفقهاء في حج المرأة دون محرم:

فالمطالع للمسألة في كتب الفقه يجد فيها رأيين:

الأول: وجوب المحرم في الحج، وهو رأي الأحناف والإمام أحمد والنخعي وإسحاق، وقالوا: ويعتبر في المرأة أن يكون لها محرم تحج به أو زوج، ولا يجوز لها أن تحج بغيرهما إذا كان بينها وبين مكة مسيرة ثلاثة أيام.

 الثاني: يجوز الحج مع محرم أو بلا محرم عند أمن الفتنة، أو في وجود نسوة ثقات ونحو ذلك، وهو رأي الحسن البصري والشافعية وداود ومالك، ولكن الإمام مالك منع أن تكون امرأة ثقة واحدة، بل لابد من جماعة من النساء.

 وقال أصحاب هذا الرأي:

إن كان الحج فرضا جاز لها الخروج مع زوج أو محرم أو نسوة ثقات، ويجوز مع امرأة ثقة. قال الماوردي من فقهاء الشافعية: ومن الأصحاب من قال: إذا كان الطريق آمنا لا يخاف خلوة الرجال بها جاز خروجها بغير محرم، وبغير امرأة ثقة.

 

  • واستدل الأحناف ومن وافقهم بما يلي:

1- ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ”لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا فوق ثلاث إلا مع ذي محرم أو زوج.” متفق عليه.

2- وروى عمرو بن دينار عن أبي معبد عن ابن عباس قال: ”خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: لا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم. فقال رجل: يا رسول الله إني قد اكتتبت في غزوة كذا، وقد أرادت امرأتي أن تحج؟ فقال رسول الله: احجج مع امرأتك.” متفق عليه.

 

  •  واستدل الشافعية ومن وافقهم بما يلي:

 حديث عدي بن حاتم قال: ”بينما أنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ أتى رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا قطع السبيل، فقال: يا عدي هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها وقد أنبئت عنها. قال: فإن طال بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف إلا الله. قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله.” أخرجه البخاري.

وقد رد من أوجب المحرم في الحج بأن حديث عدي إخبار وجود، ولا يدل على الجواز.

وأجاب من رأى عدم اشترط المحرم أن الحديث في مقام المدح، ورفع منار الإسلام فيحمل على الجواز.

كما ردوا بأن الأحاديث الواردة في اشتراط المحرم أحاديث عامة، وحديث عدي يخصصها.

كما فرقوا بين حج الفريضة وحج النافلة، فيشترط المحرم في حج النافلة دون الفريضة.

وما نقلته هذا هو ما يخص الحكم الشرعي بما فيه من خلاف بين الفقهاء واستناد للأدلة الشرعية.

 

  • ومع هذا فالذي يترجح لدي في المسألة كحكم شرعي أولا  أنه يجوز الحج بلا محرم عند توافر الأمن، لما يلي:

أنه يمكن الجمع بين الأحاديث، فهي تشير إلى فترات زمانية متباعدة، لها خصائصها الاجتماعية والعرفية، فقطع الطريق والخوف على النفس كان هو السائد في العهد النبوي وما قبله.

ثم أخبر -صلى الله عليه وسلم- بتغير الحال، وقد ارتبط الحكم بعلته، وهو عدم الأمن والخوف على النفس، فلما زال ذلك، عاد الحكم إلى الإباحة.

كما أن هناك من الأحاديث التي ترهب من ترك الحج، فإن كانت المرأة مستطيعة، وجب عليها الحج، وإن منعها زوجها، فلا يسقط عنها الفريضة، ولها الحج دون إذنه، كما يرى بعض الفقهاء، ومن الفقهاء من يرى أنه يجب عليها استئذانه، ويجبر على الإذن لها.

على أنه إن كان الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما، فإنه يحكم بأنه لا يجوز للمرأة الحج وحدها، إن خافت على نفسها، أو لم تأمن الطريق، فيجب عليها ساعتها أن يكون معها محرم أو زوج.

 

  • أما في مقال الحادثة، وهي التي تعتبر بمثابة الفتوى لا الحكم الشرعي، فإن اعتماد الرأي بجواز سفر المرأة للحج بلا محرم يعد الأصلح للحالة المذكورة لأمور عدة:

أولها: حداثة إسلام هؤلاء الفتيات، حتى نعطي لهم فرصة في إتيان الأركان الأساسية للإسلام، وحتى لا يكون الإسلام عندهم موقوفا على بعض الأمور التي يمارسونها في حياتهم، وحين نحرم فتيات المسلمات من إتيان الأركان الأساسية للإسلام، فكيف بباقي أمور الشرع.

ثانيها: أن الفتيات تسافر إلى كل البلدان، في المؤتمرات العلمية، ومن أجل العمل، بل ومن أجل السياحة والتجارة وغيرها دون أن يكون هناك نكير من أحد، ونحن نتعامل مع واقع ملموس، والحياة قد تغيرت، فكيف نمنع الفتيات من الحج مع السماح لهم بما سواه، إن هذا يشبه القول بتحريم خروج المرأة للصلاة بالمسجد،مع كونها تخرج للعمل وللزيارة وللبيع والشراء وغيرها، وفي حالة الفتوى يجب أن نفتي بناء على الواقع المعاش.

ثالثها: إن كانت الأحاديث النبوية فيها ما يحرم، وهو سابق، وفيها ما يخبر بتغير الحال، وذهاب المرأة للحج دون أن يكون معها محرم، فإن النظر أولا يجب أن يكون إلى القرآن الكريم، والذي قال:”ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا”، وظاهر القرآن  يقول:إن فريضة الحج واجبة على المسلمين مادامت عنده الاستطاعة، فإذا توفرت الاستطاعة وجب الحج، ولا يجوز منع الناس منه، واشتراط المحرم لا يسقط الوجوب الأصلي، لأن وجود المحرم لا دخل له في أداء المرأة الحج، وإنما هو لحفظها، فلا تسقط الفريضة الأصلية والتي هي حق الله تعالى على العباد، لأجل شرط مختلف فيه، بالإضافة إلى أن علة المحرم قد انتفت، فنعمل الفرض الأصلي.

كما أن من الأمور المهمة التي يجب أن ننتبه لها أن هؤلاء الفتيات ليس كل آبائهن مسلمين، فكيف تصحب أبا غير مسلم في الحج، وهو الذي لا يجوز له دخول مكة، ولا البيت الحرام، ولا يصح منه الحج، فكيف نجبرهن على وجود محرم غير مسلم، ولو جعلنا أمرها لوليها غير المسلم لربما منعها من الحج أصلا، ومن المعلوم أن المرأة التي أسلمت ليس لوليها غير المسلم عليها سلطان، فلا يكون وليا لها في الزواج، وإن كانت العلاقة بينهما لا تزال قائمة، ويجب عليها الإحسان إليه وبره وطاعته في غير معصية.

 وفي حالة الفتاة التي أسلم زوجها أو أبوها، فهل يكون إسلامه سببا في أن يمنعها من الحج، فربما لا يجد الإنسان من حاله أن يحج معها، فهل تمنع من أداء الفريضة؟

ومع كلفة الحج التي تغيرت وأصبحت أضعافا مضاعفة، هل نوجب على الناس أن يتكفلوا ما لا يطيقون، والله تعالى يقول: ”لا يكلف الله نفسا إلا وسعها؟”

على أنه من الأفضل عند الاستطاعة أن يخرج مع المرأة أو الفتاة زوجها أو والدها أو أحد محارمها حتى يساعدها ويكون معها، ويطمئن عليها، ويكون حافظا أمينا عليها، ولكن لا يقال بالوجوب، ولا تمنع الفتيات من الحج في دولة غير إسلامية.

والله أعلم

 

  • د. مسعود صبري

اقرأ أيضا

وساوس في الحج

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى