الحجالعبادةالفتاوى

رمي الجمار.. رجم إبليس أم موت الراجمين

  • السؤال:
هل لا يجوز رمي الجمار إلا بعد الزوال كما عليه كثير من الفقهاء في الفتوى، حتى لو أدى ذلك لموت بعض الحجيج كما يحدث في أيامنا؟

 

 

  • الجواب:

شرع الله تعالى الحج فريضة على القادر من المسلمين، فلا يجوز التخلف ولا التخلي عنه، بل جعل الزجر في تركه عظيما، فمن استطاع الحج ولم يحج، فليمت إن شاء يهوديا، وإن شاء نصرانيا.

ومن واجبات الحج رمي الجمار، فترمى يوم النحر، وأول وثاني أيام التشريق لمن تعجل، وثالث أيام التشريق لمن تأخر، ولم يتعجل.

وقد تحدث الفقهاء عن وقت رمي الجمار، وأنه واجب بعد وقت الزوال، ولكننا نرى ما يحدث هذه الأيام من موت عدد غير قليل من الحجاج عند رمي الجمار، لكثرة الحجيج، ولضيق المكان، مع ما قامت به الحكومة السعودية من تطوير في أداء هذه الشعيرة، وبناء ما يشبه الطابق العلوي، ولكن هذا لم يحل المشكلة بعد.

ومن المعلوم أن الفتوى تتغير باختلاف الزمان والمكان، كما نص عليه كثير من العلماء، وكما سمى الإمام ابن القيم فصلا من فصول كتابه ”إعلام الموقعين عن رب العالمين”: تنوع الفتوى باختلاف الزمان والمكان.

فهل يمكن لنا النظر إلى ما قاله الأئمة في مسألة رمي الجمار، وتوقيتها ببعد الزوال، وهل يجب الوقوف عندها مهما كان الأمر، ولو أدى إلى قتل المئات، أم أنه يجوز أن نتعدى هذا إلى بعض الآراء الفقهية لكثير من الفقهاء، فتحل لنا قضية التدافع والتزاحم؟ وهل تشفع لنا النصوص الشرعية في هذا؟ وهل يمكن أن يكون الحكم واحدا، وله استثناء في بعض الحالات الشبيهة المتحدث عنها؟

 

  • وقبل إبداء الرأي في المسألة نعرض للمسألة كما تناولتها كتب الفقهاء:

فجمهور الفقهاء على أنه  لا يجوز رمي الجمرات أيام التشريق بعد الزوال، فإن رمى قبل الزوال أعاد، روي ذلك عن ابن عمر، والحسن، وعطاء. وبه قال مالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق وأحمد والأحناف وداود وابن المنذر.

ورخص إسحاق والأحناف وأحمد وعكرمة في الرمي يوم النفر قبل الزوال، ولا ينفر إلا بعد الزوال. وهو مروي أيضا عن ابن عباس

وقال طاوس ورواية عن عطاء حكاها عنه الشوكاني: يرمي قبل الزوال، وينفر قبله. (المغني: ج 3 / ص: 234، المجموع: ج 8 / ص:269-270،  والعناية شرح الهداية للبابرتي الحنفي: ج 2/ ص: 501، ونيل الأوطار: ج 5/ ص: 97).

واستدل الجمهور بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رمى بعد الزوال ; لقول عائشة: يرمي الجمرة إذا زالت الشمس.

وقول جابر، في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة ضحى يوم النحر، ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس.

 وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: [خذوا عني مناسككم].

وقال ابن عمر: كنا نتحين إذا زالت الشمس رمينا.

[وقال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرمي الجمار إذا زالت الشمس، قدر ما إذا فرغ من رميه صلى الظهر.] رواه ابن ماجه.

واستند من رخص في  اليوم الثالث بما رواه البيهقي عن ابن عباس:إذا انتفخ النهار من يوم النفر فقد حل الرمي والصدر.

قال الكمال بن الهمام:  والانتفاخ الارتفاع، وفي سنده طلحة بن عمرو ضعفه البيهقي. (فتح القدير:ج 2 / ص: 500).

وقال صاحب الهداية: ”لما ظهر أثر التخفيف في هذا اليوم في حق الترك فلأن يظهر في جوازه في الأوقات كلها أولى، بخلاف اليوم الأول والثاني حيث لا يجوز الرمي فيهما إلا بعد الزوال في المشهور من الرواية، لأنه لا يجوز تركه فيهما فبقي على أصل المروي.” (انظر: فتح القدير: ج 2 / ص: 500).

وقال ابن نجيم الحنفي: ”أما وقت الرمي في اليوم الرابع فعند أبي حنيفة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس إلا أن ما قبل الزوال وقت مكروه وما بعده مسنون ا هـ. فعلم أنه قبل الزوال صحيح مكروه عنده.” (البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم:ج 2 / ص:377).

والصحيح رأي جمهور الفقهاء، لقوة أدلته، ولكن إن ترتب على الرمي ضرر، من الازدحام، أو قد يفضي  إلى موت بعض الناس، فإن الله ما جعل علينا في الدين من حرج. وأن الضرر مرفوع، وهو يزال، وأن أصل الشريعة التيسير، متى كانت الحاجة إليه،  فإن وجدت الحاجة، ارتفع الضرر، وأخذ بالتيسير، على أن يظل الأصل هو ما شرع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا الأمر من الأمور المتفق عليها بين الفقهاء، ولا خلاف في تقريره، وإنما يختلف في إيقاعه على الأحوال.

وإن كانت لجنة تطوير الشعائر التي اقترحتها الحكومة السعودية ستقوم برفع هذا الضرر من خلال خطة تطوير، يبقى الحكم على أصله، وهو أن الرمي يكون بعد الزوال.

أما إن رؤي أن عمل اللجنة لن يتعدى التخفيف، ولكنه لم يحل المشكلة جذريا، وأنه يتوقع موت كثير من الحجاج أيضا، فإن الأخذ برأي طاووس وعطاء أولى.

ولو رأى الفقهاء زحام الحجيج هذه الأيام، وما ينتج من وفاة بعضهم، وإصابات البعض، لأفتوا بجواز الرمي قبل الزوال، على أن ذلك رخصة لا أصل.

والله أعلم.

 

  • د. مسعود صبري

للمزيد حول رمي الجمار يرجى الاطلاع:

الحج وعلوم الدين والحياة

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى