الأسرةالفتاوىفتاوى المجامعمجمع الفقه بالهند

تأجير الأرحام والإعارة

قرار رقم 100 (5/23) بشأن تأجير الأرحام والإعارة

 

إن إبقاء الإنسان نفسه على الفطرة التي فطره الله عليها لا يضمن الفوز والنجاة في الآخرة فحسب، وإنما يترتب عليه الفلاح في الدنيا كذلك، والشريعة الإسلامية لما أنها أنزلت ممن خلق الأرض والسماوات وأبدع الكون وجعل فطرته تنسجم مع الطبيعة البشرية “فطرة الله التي فطر الناس عليها” [الروم: 30] والشيطان يحثّ الإنسان دوماً على الثورة على الفطرة ويحاول إغواءه عن القوانين الطبيعية التي تضمن له الخير والنجاح، لأن الشيطان للإنسان عدو مبين، وقد أشار الله تعالى إلى نوايا الشيطان في قوله سبحانه:

﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَـَٔامُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلْأَنْعَـٰمِ وَلَـَٔامُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَـٰنَ وَلِيًّۭا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًۭا مُّبِينًۭا﴾ [النساء: 119].

ومما يبعث على القلق البالغ أن الحضارة الغربية تعتمد على تصور قائل بأنه ليس للدين والأخلاق نصيب في الحياة البشرية؛ ولذلك فإنها تتخذ الثورة على الطبيعة سبيلاً ومنهجاً للحياة، فإن السماح بعلاقة غير قانونية بدلاً من النكاح، وجعل الزواج المثلي معترفاً به لدى القانون، وإدراج السفور والإباحية في الحقوق الأساسية، والمحاولة للقضاء على النسل وغير ذلك من قضايا شتى تضاد فطرة الله التي فطر الناس عليها، وارتكاب هذه المآثم لا يسبب الانحلال الخلقي فحسب وإنما يولد الداء العضال والأمراض الخبيثة المزمنة.

ولقد جعل الله تعالى في جميع الحيوانات عواطف جنسية لإيجاد النسل، ومن جملتها الإنسان، ولكنه أعطي الشرف الخاص في هذا الباب وهو الستر والعفاف، والغريزة الجنسية التي توجد في الزوجين لا تتعدى إلى غيرهما، وهذا هو مقتضى الوفاء بميثاق النكاح، وبهما تتحقق زيادة النسل، وهذه هي طبيعة بشرية، جرى عليها البشر منذ زمن أبيهم سيدنا آدم عليه السلام:

﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا۟ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍۢ وَٰحِدَةٍۢ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًۭا كَثِيرًۭا وَنِسَآءًۭ﴾ [النساء: 1].

وبذلك تتكون الأسر، وتتجلى هوية الأبوين والأولاد، وتتعين الحقوق والواجبات المتبادلة، والحيوانات الأخرى لا تتمتع بوجود الأسرة، وليست لها هوية جنسية، ولا توجد بينها حقوق وواجبات شأن المجتمعات البشرية، ولا شك أن هذه الهوية شرف عظيم للإنسان من حيث الاجتماع، ولذلك عدها الله من نعمه وآلائه فقال:

﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَـٰكُمْ شُعُوبًۭا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓا۟﴾ [الحجرات: 13].

﴿وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَرًۭا فَجَعَلَهُۥ نَسَبًۭا وَصِهْرًۭا﴾ [الفرقان: 54].

 

إن الحضارة المعاصرة التائهة البعيدة عن الخالق والأخلاق تحاول أن يتحرر الإنسان عن قانون الفطرة كليا في قضاياه الجنسية، ولا يتردد في التخلي عن هويته، ومن تلك الحالات حالة تأجير الأرحام أو إعارتها، ويتخذ لذلك طرقاً مختلفة في الوقت الراهن:

1.       أن تكون النطفة للزوج، والبويضة لامرأة أجنبية، ويتم التلقيح بينهما، ثم تزرع هذه اللقيحة في رحم زوجته حيث تنمو لتصبح جنسياً.

2.     أن تكون النطفة للزوج، والبويضة لزوجته، ويتم تخصيبهما في رحم امرأة أجنبية حيث يتشكل الجنسان.

3.     أن تكون النطفة لرجل أجنبي، والبويضة لامرأة ترغب في الأولاد بإذن زوجها، ويتم تخصيبهما في رحم امرأة أخرى.

4.      أن تكون النطفة لرجل أجنبي، والبويضة لامرأة ترغب في الأولاد، ويتم التخصيب في رحم نفس المرأة.

والقاسم المشترك في هذه الحالات الأربع كلها هو أنّ المرأة التي ترغب في الأولاد تستخدم لأولادها إمّا نطفة رجل أجنبي، أو بويضة امرأة أجنبية، أو رحم امرأة أجنبية.

وهذه الصور كلها تؤدي إلى مفاسد خلقية وأضرار نفسية عديدة، لا حصر لها، ولا قدرة على دفعها، منها:

  • المرأة إذا أنمت نطفة رجل أجنبي في رحمها، فكأنها ارتكبت ما ترتكب امرأة غانية وزانية نظراً إلى مصيرها. 
  • هذه العملية مغايرة للكرامة الإنسانية، فعار على المرأة أن يعرض جسدها للبيع والشراء والتعامل معها كبضاعة تجارية. 
  • هذه العملية تمس قداسة الأمومة وتنال من كرامتها، وهكذا تتحول علاقة نزيهة وطيبة إلى عملية تجارية. 
  • هذه العملية ربما تؤثر على المرأة تأثيراً نفسياً، فإن المرأة التي عانت من متاعب الحمل تسعة أو عشرة أشهر عندما يؤخذ منها الوليد منها يصيبها حزن شديد، وربما يسبب ذلك إعاقتها الذهنية. 
  • والملاحظ أن الأم تحب ولدها لأنها تمر بمراحل صعبة من حملها ووضعها، أشار إليها القرآن الكريم في قوله تعالى: “حملته أمه كرهاً ووضعته كرها” (الأحقاف: 15)، والمرأة التي لم تمر بهذه المراحل الشاقة هل يحمل قلبها عواطف المواساة تجاه هذا الوليد مثل المرأة التي تتولى حارها؟ 
  • هل يرجى من الرجل الذي قبل نطفة رجل أجنبي لرحم زوجته أن يتعامل مع الوليد حينما يكون بنتاً كوالد، وهل يثبت على تلك الحجب الطبعية التي توجد بين بنت وأبيها من ناحية الحفاظ على العفاف والعرض؟ 
  • كما أنه يفضي إلى النزاع بين صاحبة البويضة وبين حاملتها في حق حضانة الوليد، والأحداث تشهد بذلك. 
  • والأهم من كل ذلك أن الهوية الوراثية مما يفتخر به الإنسان، وكل إنسان يحرص على بقاء هويته هذه، وفقدان هذه الهوية يورثه ذلاً وشقاء، وبالتالي يريد حفظها بأية قيمة، ومن أجل ذلك جاء النهي عن الزنا في الشريعة الإسلامية بشدة، والشخص الذي يشك في أمه أهي هذه المرأة أم تلك؟ يكون دائماً في حرج وضيق، وكما يعرف النسب بالأب يتصل بالأم كذلك أيما اتصال، بل بعض الأسر تمتد بواسطة البنات في حال عدم وجود البنين. 

ونظراً إلى هذه المصالح قررت هذه الندوة ما يلي:

أولاً:         إنماء المرأة نطفة رجل أجنبي أو بويضة امرأة أخرى في رحمها إجارة أم إعارة حرام قطعاً، هذه مؤامرة لحرمان الإنسان من هويته، وثورة على سنة الله ونظامه الطبيعي الذي أوجده من عنده.

ثانياً:        لا يجوز لرجل قطعاً أن يعطي نطفته لتخصيبها في رحم امرأة أجنبية أو لخلطها ببويضتها.

ثالثاً:        لا يجوز للأطباء أن يقدموا يد العون في هذه العملية اللاأخلاقية.

رابعاً:        يتوجب على الحكومة الهندية وضع قانون يقضي على هذه العملية التي تنال من كرامة الإنسان وتدوس حرمتها وتؤدي إلى اختلاط الأنساب.

خامساً:     تناشد الندوة الإخوة في الوطن أن يطالبوا الحكومة بردع هذا العمل المهين، فلا تأذن ديانة من الديانات بهذا العمل الخليع الماجن المنافي لقانون الطبيعة.

سادساً:     وتهيب هذه الندوة الممثلة لعلماء الهند الحكومة الهندية أن لا تجنح إلى السماح القانوني بأي عمل يضاد المثل الخلقية المعترف بها لدى كافة الديانات والتقاليد الثقافية لجهمورية الهند.

 

الندوة الثالثة والعشرين
لمجمع الفقه الإسلامي بالهندجامعة علوم القرآن – بمدينة جمبوسر (بروص)
ولاية غجرات (الهند)

28،29 ربيع الآخر ويكم جمادى الأولى 1435هـ
1-3 مارس 2014م

اقرأ أيضا

حكم تأجير الأرحام

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى