الفتاوىقضايا معاصرةهيئات ودور الفتوى

من أحكام وشروط الأضحية : جواز تجميد لحوم الأضاحي والتوكيل فيها وإرسالها إلى غزة

الأضحية شعيرة حث الإسلام عليها، وأشاد بفضلها، وذلك لقوله تعالى: ﴿‌فَصَلِّ ‌لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2] ، وللأحاديث الكثيرة، منها: حديث مسلم:” ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ، ذبحهما بيده ، وسمى وكبر ، ووضع رجله على صفاحهما”.

وقد تناول  العلماء أحكام وشروط الأضحية

السؤال عن الأضاحي المجمدة  :

 

السادة لجنة الاجتهاد والفتوى في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

بعد التحية والسلام

فلا يخفى عليكم ما يمر به العالم الإسلامي من أحداث جسام ، وعلى رأسها ما يحصل لإخواننا في غزة ،  وغيرها من بلاد المسلمين المضطهدين ، مما تولد عنه من الفقر والعوز ما لا يخفى على عاقل، وفي ظل ذلك ظهرت فكرة مشروع الأضاحي المجمدة ، من قبل عدد من الهيئات والمؤسسات العاملة في العمل الخيري والإنساني، فنريد من فضيلتكم بيان الأحكام الشرعية التي تتعلق بالأضاحي المجمدة  ، هل توافق أحكام وشروط الأضحية ، من حيث حكمها وتأخير توزيعها إلى ما بعد أيام التشريق، وما ينبغي مراعاته في مثل هذا المشروع.

ولكم وافر الشكر والتحية.

 

الجـواب عن أحكام وشروط الأضحية :

 

بسم الله، والحمد لله والصلاة ، والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فبعد المناقشة والمداولة من قبل أعضاء اللجنة قررت ما يلي:

أولا–  ترى اللجنة أن الأضحية سنة مؤكدة على ما ذهب إليه جماهير الفقهاء ، خلافا لأبي حنيفة ورواية عن مالك وغيرهما القائلين بوجوبها على الأغنياء.

وهي شعيرة حث الإسلام عليها، وأشاد بفضلها، وذلك لقوله تعالى: ﴿‌فَصَلِّ ‌لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2] ، وللأحاديث الكثيرة، منها: حديث مسلم:” ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ، ذبحهما بيده ، وسمى وكبر ، ووضع رجله على صفاحهما”.

فالأضحية «أحب الأعمال إلى الله يوم النحر ، وأنها تأتي يوم القيامة على الصفة التي ذبحت عليها، ويقع دمها بمكان من القبول قبل أن يقع على الأرض ، وأنها سنة إبراهيم لقوله تعالى: ﴿وَفَدَيْنَاهُ ‌بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾  [الصافات: 107] ، وأن للمضحي بكل شعرة من شعرات أضحيته حسنة ، وأنه يكره لمن كان ذا سعة تركها  ، وأن الدراهم لم تنفق في عمل صالح أفضل من الأضحية ، ولكن إذا وقعت لقصد التسنن وتجردت عن المقاصد الفاسدة ، وكانت على الوجه المطابق للحكمة في شرعها» قاله الشوكاني في «نيل الأوطار» (5/ 129)

التوكيل في الأضحية

 

ثانيا- يجوز التوكيل في ذبح الأضحية باتفاق الفقهاء ؛ لقوله تعالى ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ ‌بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ﴾ [الكهف: 19]  ، ولما ورد في مستدرك الحاكم : ” يا فاطمة قومي إلى أضحيتك فاشهديها “؛ لأن فيه إقرارا على حكم النيابة.

ومن أحكام وشروط الأضحية  : يستحب شرعا حضور المضحي أضحيته بنفسه، فإن تعذر؛ فلا حرج عليه. ويصح التوكيل سواء في بلد المضحي أو خارجه، حسب اختياره ، ووفقا لتحقيق المصلحة الشرعية.

والأولى أن يضحي القادر في بلده بواحدة وبأخرى خارجها، وإلا ففعله واحدة منهما كاف حسب قدرته.

ثالثا- ترى اللجنة أن المعتبر نية الموكل؛ وذلك أن الأضحية يخرجها الموكل من عند نفسه لله طلبا للثواب، فلا يفتقر فعل الوكيل إلى نية حين الذبح.

رابعا- ترى اللجنة جواز التوسع في أيام الذبح ، في أن يكون يوم النحر وثلاثة أيام بعده، على ما ذهب إليه الشافعي والأوزاعي، وهو رأي عدد من التابعين، تيسيرا على المضحين وعلى المؤسسات الموكلة في ذبح الأضحية، وبخاصة أن كثيرا من المضحين يتأخرون في دفع ثمن الأضحية، وذلك لأثر:” كل أيام التشريق ذبح” رواه أحمد وابن حبان.

 جواز إدخار لحوم الأضحية : 

 

خامسا- ومن أحكام وشروط الأضحية :  يجوز ادخار لحوم الأضاحي إلى ما بعد أيام العيد والتشريق، ولا حد لوقت الادخار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجازه بدون توقيت، ودليله ما أخرجه البخاري:” كلوا وأطعموا وادخروا، فإن ذلك العام كان بالناس جهد؛ فأردت أن تعينوا فيها”.

 

وعلى هذا، فيجوز تأجيل توزيع لحوم الأضحية إلى ما بعد أيام العيد والتشريق؛ ولو لشهور، وذلك لإباحة الشرع، ولما فيه من المصلحة للفقراء والمساكين ، ولغيرهم من المنتفعين بلحوم الأضاحي.

سادسا- يجوز تجميد لحوم الأضاحي وتعبئتها؛ لأنها من وسائل الادخار، ولما أجاز الشارع الادخار؛ جاز معه كل وسيلة تحققه؛ لأن للوسائل حكم المقاصد، ولا يتوجب تعيين وسيلة إلا إذا عينها الشارع، ولا تعيين هنا. بل التجميد أجود لما فيه من الحفظ بطرق علمية وصحية تطول معه المدة، ويمكن توزيعه على مدى العام إن لزم الأمر، وهذا يحقق المصلحة والمقاصد الشرعية لاتساع وكثرة من سيستفيد من هذه اللحوم، سواء وصلت للفقراء ونحوهم.. لحوماً مجمدة أو معلبة.

جواز نقل الأضحية : 

 

سابعا- ترى اللجنة جواز نقل الأضحية – ولو مجمدة أو معبئة- من بلد لآخر ،  إن كان ينقلها إلى ذي قرابة، أو إلى قوم هم أحوج إليها من بلده، وهو رأي جماهير الفقهاء، أما إن لم يكن هناك حاجة أو داع لنقلها، فالخلاف بين الفقهاء مشتهر، بين القول بالكراهة، أو بالجواز، أو بالحرمة مع كونها تجزئه. وترجح اللجنة أن نقلها مجزئ مطلقا، وهو ما ذهب إليه غالب الفقهاء المعاصرين ، وبخاصة أن الحاجة ماسة إليها في الدول التي تكثر فيها الحروب والطوارئ،  وتقع فيها المجاعات، وعلى رأس ذلك اليوم ما أصاب أهل غزة، فيشرع نقلها من بلد المزكي إلى غزة أو السودان ، وما شابههما من بلاد المسلمين الذين هم أحوج ما يكونون إلى الطعام والشراب المعتاد فضلا عن حاجتهم إلى اللحوم التي قد تقيم صلبهم أياما وأسابيع.

والقول بجواز نقلها من بلد إلى بلد أحوج ، مما ييسر اليوم على الناس في إحياء الشعيرة، كما ييسر على المؤسسات الخيرية التي تقوم بالوكالة ، عن الأفراد في شراء وذبح الأضاحي وتجميدها وتوزيعها لمن هم أحوج من بلاد المسلمين؛ تحقيقا لقوله تعالى: ﴿فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا ‌الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ﴾ [الحج: 36].

واحتياطا وخروجا من الخلاف ، توصي اللجنة من يضحي ويوكل بهذه الطريقة ، أن يتحمل كافة التكاليف الإضافية فوق ثمن الأضحية ، وهو مأجور بذلك أيضا مع مراعاة أحكام وشروط الأضحية .

والله الهادي إلى الحق والصواب

والحمد لله رب العالمين

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

المراجع :

صادر بإجماع  لجنة الاجتهاد والفتوى في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

الفتوى رقم (1) للدورة 2024-2029

الصادرة عن لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى