الصلاة الصحيحة التامة لها شروط وأركان، وصفات وأحوال، قبل الصلاة، وأثناء الصلاة، وبعد الصلاة، نتناولها بعون الله بالتوضيح والبيان
أولا: قبل الصلاة:
على المؤمن قبل الصلاة خمسة أشياء، وهى
1 – طهارة البدن، فيتوضأ ويحسن الوضوء عن أبي زرعة قال: دخلت على أبي هريرة، فتوضأ إلى منكبيه وإلى ركبتيه. فقلت له. ألا تكتفي بما فرض اللَّه عليك من هذا؟ قال: بلى، ولكني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: “مبلغ الحلية مبلغ الوضوء” فأحببت أن يزيدني في حليتي. رواه مسلم واحمد
2 – أن يكون طاهر الثياب، فلا تصح الصلاة فى ثوب به نجاسة، وتكره الصلاة فى ثوب غير نظيف.
3 – أن يقف على مكان طاهر، ويستقبل القبلة
4 – ستر العورة، وعورة الرجل ما بين السرة والركبة، لكن الأفضل والمستحب أن يلبس أحسن ما يجد، ويلبس ثيابا يليق بعبد يقف بين يدي خالقه، وعورة المرأة جميع البدن ما عدا الوجه والكفين، ويشترط فى الثياب أن يكون فضفاضا واسعا، لا يشف ولا يصف. ويجب على المرأة ستر العورة حتى لو كانت تصلى فى مكان مظلم لا يراها فيه أحد.
5 – أن يطهر قلبه من كل مشاغل الحياة، ويقبل على مولاه بقلب خاشع خاضع أواه منيب
ثانيا: أثناء الصلاة:
على المؤمن أن يعظم ربه، ويعرف قدره، ويعلم أنه عبد ضعيف لا حول له ولا قوة، يناجى الخالق الذي بيده كل الحول والقوة، ويوقن أن الصلاة منحة ربانية عظيمة من الخالق للمخلوق يجدد بها قلبه، ويشحذ بها همته، ويزكي بها نفسه، فيأتى بالصلاة على حال يرضى الله، ويستعين بالله عز وجل على نفسه وهواه وشيطانه، ويؤدي الصلاة على الوجه التالى:
1 – يكبر تكبيرة الإحرام رافعا يديه حذو أذنيه، ويكبر قلبه قبل تكبير لسانه، مستشعرا حقارة الدنيا، وعظم الآخرة، وهول الموقف بين يدي الجبار يوم العرض الأكبر
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، فَكَبِّرْ وَاقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ وَتَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا.» متفق عليه
2 – يقرأ الفاتحة وهو مستغرق فى معانيها العظام بقلبه ومشاعره ووجدانه كله، فإحساسه عميق بعظيم فضل الله عليه، وجميل نعمه، وفيض عطاءه، وهو فى الوقت نفسه رحمن رحيم، مالك ليوم الدين، يوم الهول العظيم والرعب الرعيب، ولا نجد إزاء هذا الحادث الجلل، والأمر الخطر إلا أن نستعين بربنا، لأننا لا نعبد إلا الله، ولا نستعين إلا بالله، فنتذلل إليه، ونتضرع إليه أن يهدينا الصراط المستقيم
3 – يركع المؤمن لربه معترفا بذلة المخلوق، وعظمة الخالق، وركوع المؤمن للخالق تحرر من كل ركوع، لملوك الدنيا، وأصحاب الجاه والمال والسلطان فى الأرض، والمؤمن مطمئن فى كل ركن من صلاته، يؤديه بتؤدة، واتقان، واطمئنان.
4 – ثم يرفع من الركوع قائلا: سمع الله لمن حمده
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ” إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” رواه البخارى ومسلم.
والأفضل للإمام والمنفرد والمأموم أن يزيدوا بعد ((ربنا ولك الحمد)) فيقولوا: “حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه ملء السموات، وملء الأرض، وما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحقّ ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا مُعطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، اللهم طهّرْني بالثلج، والبَرَدِ، والماء البارد، اللهم طهّرْني من الذنوب والخطايا كما يُنَقَّى الثوبُ الأبيضُ من الوسخ” رواه مسلم عن أبي سعيد الخدرى
5 – ثم يسجد مطمئنا متذللا لرب العالمين، معلنا فقره إلى الغنى الحميد، كاشفا سره لعلام الغيوب، شاكيا إليه ما يجد، طالبا منه ما يرجو، وما يأمل، وهنا فى السجود يجد المؤمن راحته بين يدي علام الغيوب، فيجدد إيمانه بالله، ورضاه بالله ربا، وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.
6 – ثم يجلس بين السجدتين سائلا ربه: رب اغفر لى وارحمنى وعافنى واهدنى وارزقنى
7 – ثم يسجد الثانية، وكان بعض العابدين يجعل السجدة الأولى لحمد ربه على نعمه التى لا تعد ولا تحصي، والثناء على الله بما هو أهل له، والسجدة الثانية يدعو فيها بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، وأفضل الدعاء ما ورد فى القرآن الكريم، ثم ما ورد فى السنة النبوية، ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ما روى عمار بن ياسر «اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي، اللَّهُمَّ وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ الْكَرِيمِ، وَأَسْأَلُكَ الشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ» رواه البزار فى مسنده والطبرانى فى الدعاء
8 – وفى الصلاة الثنائية تشهد واحد، وفى الثلاثية والرباعية يتشهد مرة بعد الثانية، ومرة قبل السلام.
9- وفى التشهد يستحضر فى مخيلته مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم للخالق جل جلاله : “التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله،اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد” رواه مسلم
10- الدعاء بعد التشهد الأخير وقبل السلام:
اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا تشهد أحدُكم فليستعِذْ بالله من أربعٍ، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال” متفق عليه.
ثالثا: بعد السلام:
يحرص على أداء السنن الراتبة، ويجتهد فى إقامتها على أتم وجه، وأحسن حال، ويحرص على ختام الصلاة بالاذكار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد علَّمنا رسولنا عليه الصلاة والسلام أذكارًا ودعوات في ختام الصلوات المفروضات كثيرة جدًّا، نذكر منها شيئًا يسيرًا على النحو التالي:
1 – أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام))؛ لحديث ثوبان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا، وقال: ((اللهم أنت السلام … ))؛ رواه مسلم في صحيحه.
2 – سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر (ثلاثًا وثلاثين) لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير))؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من سبَّحَ الله دُبُرَ كلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين، وحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبَّر الله ثلاثًا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه ولو كانت مثل زَبَدِ البَحْرِ))؛ رواه مسلم في صحيحه.
3 – لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانعَ لما أعطيتَ، ولا مُعطيَ لما منعتَ، ولا رادَّ لما قضيتَ، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدُّ))؛ لحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول دُبَر كل صلاة إذا سَلَّم: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له … )) الحديث؛ رواه البخاري ومسلم.
4 – يقرأ آية الكرسي: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [البقرة: 255] إلى آخرها؛ لحديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قرأ آية الكرسي دُبُرَ كلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ لم يمنعْه من دخول الجنة إلا الموتُ))؛ رواه النسائي في عمل اليوم والليلة، وابن السني في عمل اليوم والليلة، وابن حبان في صحيحه.
5 – لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير)) عشر مرات عقب صلاة الفجر وعقب صلاة المغرب، وهو جالس على هيئة التشهد، وقد روي في ذلك أحاديث كثيرة منها: حديث مُعاذٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قَالَ حِينَ يَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مَرَّاتٍ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ، كُتِبَ لَهُ بِهِنَّ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَمُحِيَ عَنْهُ بِهِنَّ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَرُفِعَ بِهِنَّ عَشْرُ دَرَجَاتٍ، وَكُنَّ لَهُ عِدْلَ عَشْرِ نَسَمَاتٍ، وَكُنَّ لَهُ حَرَسًا مِنَ الشَّيْطَانِ، وَحِرْزًا مِنَ الْمَكْرُوهِ، وَلَمْ يَلْحَقْهُ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ ذَنْبٌ، إِلَّا الشِّرْكَ بِاللهِ، وَمَنْ قَالَهُنَّ حِينَ يَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ، أُعْطِيَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي لَيْلَتِهِ))؛ الحديث رواه أحمد والنسائي وغيرهما.
اللهم أحسن وقوفنا بين يديك