ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أملك شركة تقنية معلومات واتصالات تقوم بتطوير البرمجيات، وقد برمجتُ نظامًا خاصًّا ببيع كروت الدفع المسبق، يركب على آلاتٍ خاصة، تحوي طابعة مدمجة، ثم توزع على المحلات التجارية ليتمكن صاحب المتجر من استخدامها للحصول على كروت الدفع المسبق التي تقدمها الشركة التي اشترت النظام، وهي كروت شركات الاتصالات المحلية وبعض كروت الألعاب، حيث تشتري هذه الكروت بالجملة وتعيد بيعها للتجار المشتركين معها، ثم تعاقدتُ مع شركة ترغب في الحصول على هذا النظام، وواجبي في العقد توفير النظام والإشراف عليه، وليس لي علاقة بالمحلات التجارية وتعاقدات الشركة المنفذة مع الشركات التي توفر الكروت، ولحسن ظني بإدارة الشركة لم أشترط عليهم عدم بيع بعض فئات الكروت غير الشرعية، مثل الكروت الخاصة بمشاهدة شبكات بث الأفلام العالمية، لكن مدير الشركة تغير، والإدارة الجديدة للشركة تخطط لإضافة كروت بعض هذه الشركات، التي تقدم محتوى أعلم يقينًا أنه غير شرعي، فقدمتُ النصح لهم، وذكرتهم بالله سبحانه وتعالى، وأن هذا الأمر سيُدخلهم في أكل الحرام، ولكن إدارة الشركة مصرة على إضافتها، وأنا مجبر وفقًا للعقد الموقع بيني وبينهم على إضافة أي شركة إلى النظام، وامتناعي عن ذلك سيدخلني معهم في مشاكل، قد تصل إلى القضاء، فهل تبرأ ذمتي بما قدمته من النصح، ويجوز لي تمكين خاصية بيع هذه الكروت في النظام حال إصرارهم؟ علمًا أنهم دفعوا قيمة النظام، وهم ملتزمون بدفع قيمة الدعم الفني الشهري الذي أقدمه لهم حتى الآن، وأتمنى تقديم نصيحة لأصحاب الأعمال الذين يبدؤون أعمالهم بصورة شرعية، وبعد أن يفتح الله عليهم وتحقق مشاريعهم الأرباح، يسيطر عليهم الطمع، فيصبح المهم عندهم جمع المال، ولا يلقون بالًا لاختلاط الحلال بالحرام.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنَّ بيع كروتِ الاشتراك في منصاتٍ تبثُّ ما يشتملُ على أمور محرمة؛ كالموسيقى والتبرج والسفور وأفلام اللهو والمسلسلات، محرمٌ شرعًا، ولا تجوزُ الإعانة على نشره؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان، والله تعالى يقول: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة:2]؛ ولِما يترتب عليه من نشر الرذيلة، وهدمِ الأخلاق والفضيلة بالمجتمع، والله تعالى يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النور:19]، والنبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: (… وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثامِهِمْ شَيْئاً)[مسلم: 2674].
عليه؛ فلا يجوز للشركة المبرمجة للنظام تمكين خاصية بيع هذه الكروت، ولا تبرأ ذمتها بمجرد النصح، بل يجب عليها الامتناع عن ذلك وإن وصل الأمر للقضاء، ولا يجوز للشركة التي اشترت النظام المطالبة بتمكين هذه الكروت، فشرط إضافة أي شركة بإطلاق -ولو كان ما تنشره محرمًا- باطلٌ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما بالُ أقوامٍ يشترطونَ شروطًا ليسَت في كتابِ اللهِ، مَن اشترطَ شرطًا ليسَ في كتابِ اللهِ فليسَ له، وإن اشترطَ مائةَ مرة) [البخاري:444]،
وعلى من وفقه الله في تجارته؛ لتحريه الحلال، أن يشكر الله على هذه النعمة باجتناب الحرام؛ ليبارك الله له، لا أن يضعفَ أمام المال، فيأخذَه بغير وجهه، فينزع الله منه البركة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ) [مسلم: 1052]،
وعلى السائلِ أن يعلمَ أنَّ دورَه ليسَ فقط دورَ متعاونٍ على الإثم، بل هو منشأُ هذا الفسادِ وبرمجته، فالإثمُ الأكبرُ يقعُ عليه، وما ذكره مِن أنه قد فاتهُ في العقد أن يشترطَ عليهم منع إصدارِ بطاقاتٍ محرّمة، وأنهُ مُلزمٌ طبقَ العقدِ بتزويدهم بذلك، وأنهم قد يقاضونهُ لدى المحاكم، فالواجبُ ألَّا يطاوعَهم في ذلك، ولا يخافهم، فإنَّ هذا الشرط -وهو منع إصدار البطاقاتِ المخالفة للشريعة- وإن لم يُذكر في العقد، فهو موجودٌ ضمنًا بقوةِ القانون، طبقًا لوثيقةِ الدستور المعمول بها، مِن أنّ الشريعةَ الإسلاميةَ المصدرُ الأولُ للتشريع، وأنَّ كلّ ما يخالفها يعدّ باطلًا، فلا ينبغي للسائلِ أن يتهاونَ في الأمر، ولا يرهبَ مقاضاتِهم؛ لأنَّ مقاضاتهم باطلةٌ وفقًا للوثيقةِ الدستورية، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم