الفتاوىفقهيةقضايا معاصرة

التعامل بالعملات الرقمية الافتراضية كالبتكوين؟

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي وأجابت عليه:

ما حكم التعامل بالعملات الرقمية كالبتكوين، وهي عملة افتراضية يتم استخدامها عن طريق الإنترنت، لكنها لا تخضع لسلطة الحكومات والمؤسسات المالية، وليس لها ما يغطي قيمتها، وكيف يتم دفع الزكاة عنها؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد:

فإنّ الشريعة لم تعيّن شيئا ليكون عملة دون غيره، بل جعلت مرجع ذلك إلى ما تعارف الناس عليه وشاع استعماله بينهم، قال الإمام مالك رحمه الله: (وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ أَجَازُوا بَيْنَهُمُ الجلودَ؛ حَتّى تَكُونَ لَهَا سِكَّةٌ وَعَيْنٌ؛ لَكَرِهْتُهَا أَنْ تُبَاعَ بِالذَّهَبِ وَالوَرِقِ نَظِرَة) [المدونة:3/5]؛ إشارةً منه إلى جريان علّة الربا فيها.

وقال ابن تيمية رحمه الله: (وَأَمَّا الدِّرْهَمُ وَالدِّينَارُ فَمَا يُعْرَفُ لَهُ حَدٌّ طَبْعِيٌّ وَلَا شَرْعِيٌّ بَلْ مَرْجِعُهُ إلَى الْعَادَةِ وَالِاصْطِلَاحِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ لَا يَتَعَلَّقُ الْمَقْصُودُ بِهِ؛ بَلْ الْغَرَضُ أَنْ يَكُونَ مِعْيَارًا لِمَا يَتَعَامَلُونَ بِهِ وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لَا تُقْصَدُ لِنَفْسِهَا بَلْ هِيَ وَسِيلَةٌ إلَى التَّعَامُلِ بِهَا وَلِهَذَا كَانَتْ أَثْمَانًا؛ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ…وَالْوَسِيلَةُ الْمَحْضَةُ الَّتِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا غَرَضٌ لَا بِمَادَّتِهَا وَلَا بِصُورَتِهَا يَحْصُلُ بِهَا الْمَقْصُودُ كَيْفَمَا كَانَتْ([مجموع الفتاوى:19/251].

وقد اشترط بعض الفقهاء لجواز جعل الشيء عملة تكون ثمنا للأشياء وتقوّم بها المتلفات أن يكون بإذن الدولة، قال الإمام أحمد رحمه الله: (لَا يَصلُحُ ضَرْبُ الدّراهمِ إلّا في داِر الضّربِ، بِإذْنِ السّلطانِ؛ لأنّ النّاسَ إنْ رُخِّصَ لَهُمْ رَكِبُوا العَظَائِم) [الأحكام السلطانية: 299].

والتعامل بهذه العملات الرقميّة لم يرُج بين الناس رواجا عامّا، وليس لها جهة تضمن قيمتها للناس، بل يعتمد سعرها على المضاربة فيها، وعليه فلا يصح كونها عملة تجري فيها علة الثمنيّة لتمنع فيها الربا أو تجري فيها الزكاة، أمّا حكم التعامل بها بيعا وشراء فإن من شرط صحة عقد البيع ألا يكون مشتملا على الغرر، والتقلبات الكبيرة لسعر هذه العملة تجعل التعامل بها أشبه ما يكون بالقمار، ثم إنها ليس لها جهة رسمية تضمن قيمتها لأصحابها كما هو الحال في الأوراق النقدية.

عليه؛ فلا يجوز التعامل بهذه العملات ما دامت على صورتها الحالية، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

دار الإفتاء الليبية

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى